Saturday, January 06, 2007

اللامبالاة مشاركة في الجريمة

اللامبالاة مشاركة في الجريمة


جاد الحاج 06/01/07//



من غير الضروري ان تترجم الحرب الأهلية اطلاق نار وحواجز خطف على
الهوية، مذهبية أم طائفية أم «مناطقية»، ما دامت تلك الحرب
مشتعلة في النفوس والعقول. انها هنا وإن في صورة ذات لمع جديد هو، ويا
لعارنا، لمع المذهبية!


لو ألقينا نظرة شاملة على المشهد اللبناني اليوم لخيّل للساذج فينا ان
الطائفية البغيضة سقطت لأن بعض المسيحيين من هذا الطرف أو ذاك ضمّ صوته
الى بعض المسلمين من ذاك أو ذينك الطرف: وهمٌ لا أساس له من الصحة، الواقع
أن الطائفية التاريخية شاخت واستعارت «زخماً» جديداً لها من
المذهبية المستجدة. التخلف شعر بالبرد فأوقد له من جمر الجيران ناراً
طازجة. من العراق النازف بلا هوادة تلقفنا وصفة الموت الجديد، والأنكى أن
بسطاء القلوب صدّقوا خبر وفاة السرطان الأصلي لأن الذين يأتمرون ساخرين
مشمئزين من «الوضع» معتبرين أنفسهم مثقفين، أي انهم بالضرورة
«فوق» العامة والى ناصية أرقى مما تحتشد فيه السابلة، يأنفون
أن يغمسوا أقلامهم بحبر الأرض.


مذهلة تناقضات لبنان، بل مريعة.


المستنير فيه يأبى إنارة القابع في العتمة، وينأى بنفسه عن الاختلاط
بكيمياء الحياة، فهو في نظر نفسه عطيّة سماوية باهظة، لا يجوز تلويثها
بالتعتير. أليست ظاهرة الاعتصام السلمي المستمرّة في وسط بيروت معلماً
اجتماعياً وانسانياً جديراً باهتمام العقل والمخيلة؟ أليست هذه أولى
الظواهر السوسيوبوليتيكية من نوعها في العالمين العربي والإسلامي؟ ألا
يثير وجود مئات الألوف من أبناء لبنان وبناته في حال اعتراض ومخالفة
للموروث والمعهود والمتفق عليه، فضول أهل القلم وأهل الريشة وأهل اللحن
وأبطال وبطلات الحناجر ممن جنوا الملايين عبر اصطفاف أولئك اليافعين وراء
أغانيهم الهابطة؟


لست أتحدث هنا عن الموقف السياسي المناصر أو المغاير لهذا الاعتصام بل
عن جدوى وخطورة اللامبالاة به، وعن الجرم الخلقي الناجم عن إسقاط السياسة
كحجة لممارسة اللامبالاة. فأياً كان موقف الفنان أو المبدع مما يحصل في
ساحتي الشهداء ورياض الصلح، المعرفة العينية والاختلاط والمساءلة هي
السبيل الوحيد لاستشفاف العبر والتقاط الروح الحقيقية لواقع أولئك الشبان
والشابات وتجربتهم، اما العبور المتأفف والإشاحة المتعالية فلا يؤتيان
ثمراً، خصوصاً إذا شئنا إدراك العلة في استمرار الشرخ الطائفي واتساعه
مذهبياً، وإذا كنا بحق مهتمين بدرء خطر الترجمة الدموية للحرب الأهلية
التي ما زال جمرها تحت الرماد.


هناك مظاهر لافتة لا بدّ من جسّ نبضها عن قرب بدل الاستسلام لسهولة
الإشاعات، بل هناك مسؤولية معنوية يتحمّلها المعارضون والمعترضون
بالتساوي. فلنتخيل بلا مبالغة تنظيم حلقات حوار بين مختلف الأطراف تديرها
شخصيات مستنيرة ذات معرفة عميقة بالأرض والإنسان كي يجري التوكيد الواضح
على أن الخلاف السياسي ليس اختلافاً على الجوهر بقدر كونه مأزقاً موقتاً
على الجميع العمل للخروج منه. ما ليس صحيّاً في هذا المأزق هو إخلاء
الساحة من إمكانات التواصل والإفساح في المجال أمام أدوات التصعيد
والطوابير الخامسة، لجرّ البلاد نحو أتون «الفوضى الخلاّقة»
مما هو حاصل في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال.


الجميع لا يزال ممسكاً بزمام اللجم عن المواجهات العنيفة، لكن
المتنصتين بقلق على ما يشاع ويتراكم في صفوف الشبيبة باتوا يسمعون نواقيس
الخطر. فهناك فريق «يحلم» بعودة الحرب الأهلية التي لم يشارك
فيها وفريق يطلب السلاح جهاراً مهدداً بالزحف على «الأعداء».


فلنكن واضحين وصريحين: السياسيون كلهم أخفقوا في التعامل مع الشرط
الإنساني المستجد على الساحة اللبنانية. كلهم خطابات وإنشاء وحملات تجييش
بالغة الخطورة، فمن بقي صامتاً؟ ولماذا يتقاعس المثقفون عن تلقف الكرة قبل
ان تشب فيها النار؟


السؤال مطروح على الجميع، أسمعونا أصواتكم لأن اللامبالاة مشاركة في الجريمة.











powered by performancing firefox

No comments: