Friday, April 06, 2007

الحرب على ايران : الاحتمال و المفاعيل

الحرب على ايران : الاحتمال و المفاعيل
الدكتور امين محمد حطيط - عميد ركن م\محلل استراتيجي 5 نيسان 2007
خاص tayyar.org

اصبح حديث الحرب على ايران محور كل تداول بين من لهم علاقة بالشأن الاقليمي ، لا بل تعدى امر الاهتمام بتلك اللحرب "القادمة " الى ان اصبحت الشأن المعول عليه في الخروج من اكثر من مأزق محلي او اقليمي في في الشرق الاوسط خاصة تلك النقاط الساخنة فيه .
و هنا يطرح السؤال هل ان الحرب ستقع فعلاً ام ان امرها يسير في غير اتجاه، خاصة مع ما يتردد من حشد للجيوش و مناورات لها و تهويل و انذارات مبطنة ترسلها اميركا للايران ؟

في المبادئ العامة المتبعة على صعيد النزاعات الدولية القابلة للتطور الى نزاع مسلح ، يكون حشد الجيوش و ما يرافقها من اعلام و تدريب هادفاً الى امر من اثنين للترهيب و الضغط لانتزاع المكاسب من غير نار ، او لشن الحرب فعلياً و تكون المسالة في هذين التفصيلين كما يلي :

- الاول حشد القوى لارهاب العدو و حمله على التراخي امام خصمه فينصاع الى رغباته و يسلم له بمطالبه خشية ان يلجأ الخصم ذاك الى القوة التي حشدها ، فتكون الكلفة في التنازل من غير حرب ادنى من كلفة الاستسلام بعد الحرب ، و تكون هذه الوسيلة ناجعة اذا كان الخصم قد حشد من القوى ما يمكنه من تحقيق اهدافه فيما لو دخل الحرب ، اي انه يستطيع الانتصار فيها ... و تؤدي القوى المحتشدة و ظيفتها من غير استعمال نيران اسلحتها ، فتحسم الهيبة العسكرية الحرب من غير نار .
- اما الثاني فيكون الحشد فعلاً للدخول في الحرب و الحاق الهزيمة بالخصم الذي ينقلب عدواً مع الرصاصة الاولى ، و يلجأ الى هذا الطريق اذا تبين للخصم ان الضغوط التي يمارسها لن تلوي ذراع خصمه سلماً ، و تكون النار لازمة لتحقيق المهمة ، اضف الى ذلك ان حالات تتشكل و يلجأ فيها للحرب رغبة في تدمير الاخر ، عبر حرب استباقية او وقائية او انتقامية او لارهاب خصم ثالث ... او لتعويض هيبة او قدرة تآكلت .. فيلجأ الى الحرب هنا حتى و لو ابدى الخصم انصياعاً .. و لكن لا يكون دخول في الحرب عادة الا اذا كانت احتمالات النصر يها مرتفعة جداً .. و نذكر ان النصر في الحرب هو تحقيق الهدف الذي وضع لها قبل اندلاع شرارتها .

على ضوء ما تقدم نحاول ان نقرأ ما يجري من سلوكيات اميركية في ما يتعلق بالشان الايراني ، و ترويج لحرب قادمة عليها ، و نسأل ما هي الغاية من الحشد و ما يتبعه وويواكله . ؟ ؟ و اذا درست المواقف الاميركية ، فانها تظهر للباحث الامور التالية :

- تعاني اميركا حالياً من حالة معنوية غاية في السؤ انتجتها اخفاقاتها في افغانستان و العراق و الى حد بعيد في لبنان ، اخفاق جعل الهيبة الاميركية تتآكل و تتراجع الى الحد الذي تجرأ فيه آخرون على المجاهرة بسعيهم الى عالم متعدد الاقطاب يكون البديل للنظام العالمي الجديد الذي سعت اميركا لاقامته بقيادتها و فشلت حتى الان و اصبح الحلم من التاريخ و ها هو بريجنسكي ينعيه و يقول الفرصة ضاعت . من هذا المنظور تكون اميركا بحاجة الى عرض للقوة التي تمتلكها و التي هي في اعلى مستوى تقني في العالم ، فاذا كانت هذه التقنية غير قابلة للاستعمال العميق فيما اعدت له في ميادين القتال غير التقليدي ضد افراد و جماعات ، حيث يكون الخصم غير تقيليدي لا تؤثر فيه التقنيات العالية و لا تسكته ، فان اتخاذ دولة كبرى او متوسطة كأيران هدفاً لاستعمال الاسلحة هذه يكون من شأنه ان يعوض الهيبة و الثقة المفقودة بالنفس.. و بهذا تكون الحرب حاجة عسكرية اميركية ذاتية .

- ان ايران رغم كل مرونة تبديها في ملفها النووي و موقفها من الوضع العراقي ، انه رغم كل ذلك تتمسك و بحزم شديد بمبدأين اساسيين الاول حقها في برنامج نووي سلمي حق غير قابل للتنازل او التراجع ، و الثاني حق العراقيين في دولة مستقلة واحدة موحدة يمارس السلطة فيها من يختارها الشعب بحرية و يكون انعكاساً حقيقياً لشرائح الشعب . و هذين المبدأين يزعجا اميركا و لا يبدو ان ادارة بوش الحالية قادرة على تقبلهما .. و بالتالي نجد ان هناك اختلاف مبدئي ليس للتفاوض و الدبلوماسية قدرة على حله ... اذن تكون الحرب هي الحل .. حرب يشنها من يرى قوة في نفسه تمكنه من فرض ارادته . و اميركا هي الطرف الذي لا يرى بداً من الحرب لتحقيق الاهداف .

- و على المقلب التفاوض نجد ان اميركا فتحت كوة في جدار الفصل و العزل الذي مارسته ضد ايران و جلست معها حول طاولة حوار واحدة بشأن العراق ، امر يعتبر بحد ذاته تحولاً بستجيب لمقترحات لجنة بيكر – هاملتون ، المقترحات التي تسير كما يبدو مسؤولين اميركيين كثر و ما تراه من زيارات اميركية الى دمشق الا وجهاً من ذلك (3 زيارات في اقل من شهر) .

- اما في الجانب الميداني فاننا نجد ان ما حشد حتى الان ، لا يمكن من خوض حرب برية ضد ايران ، و ان حشد القوى اللازمة لذلك يتطلب الوقت و الجهد و النفقات التي لا يبدو في الافق المنظر توفرها حتى الان .. و هذا الامر يقود و بشكل منطقي الى القول ان اميركا اذا ذهبت الى الحرب فانها لن تذهب الى البر الايراني ، و اذا تذكرنا عبر التاريخ فاننا نقول بان النار تحدث الدمار و لكنها لا ترسي الاستقرار ، فالاستقرارو السيطرة على الارض يتطلبان رجل المشاة او سلاح البر العملاني .. ما يعني ان حرباً ضد ايران وفقاً للمعطيات الحالية لن تؤدي الى تغيير في الوضع الايراني الداخلي كما حدث في العراق و اسقط النظام و حلت الدولة و اقيمت بدلاً منها "خرافة حكم" محلي يديره المحتل فشل في تغطية الاحتلال و عجز عن تحمل المسؤولية في الامن . و اذا استمر النظام هناك فان هذا يعني قدرة محتملة على الرد و المواجهة ... و هنا تكمن معضلة اميركا ...
فكيف يمكن تصور الرد الايراني ؟ هنا ينبغي ان نواجه المسألة بابعادها الاستراتيجية و التكتية معاً . فايران ليست معزولة في هذا العالم الشرق اوسطي حتى و العالم كله ، وان اميركا ذاتها تصنف ايران بانها قائدة او دولة فاعلة في محور الرفض للهيمنة الاميركية ، و ان اميركا عندما تذهب الى الحرب ضد ايران فانها عملياً تذهب لحرب المحور كله لذلك لا يمكن تصور ان اعضاء هذا المحور سيقفون موقف المتفرج المكتوف اليدين وهم يرون حرب تدمير و انتقام تشن ضد احدهم لان هؤلاء سيقولون "اكلت يوم اكل الثور الابيض" على حد ما جاء في امثلة سلفت.. هنا نرى ان اميركا ستأخذ بالحسبان احتمالات الرد من قبل المحور هذا، سواء كان عضواً او صديقاً :

- اما الرد الايراني المباشر فقد يكون شاملاً للاهداف الاميركية في العراق و الخليج ، و و للنفط بئراً وحاملة و طريق . و لن يعيق ايران في ذلك كل ما تملكه اميركا من قدرات نارية و تقنية لان ما اظهرته في مناوراتها من اسلحة متطورة حديثة قادرة على النفاذ الى اهدافها في احجام مؤثرة . ثم يضاف الى ذلك مواقع للدول الحليفة لاميركا في الشرق الاوسط ، اسرائيل و غير اسرائيل ، معطوفا عليه امر تحريك فئات شعبية في كامل الشرق الاوسط نرى انها لا تستطيع تقبل فكرة هدم الجمهورية الاسلامية العصرية الوحيدة في هذا العالم ..

- و يكون الرد في سوريا تحريك لجبهة الجولان ، قد لا يصل الى الحرب الشاملة ضد اسرائيل ، بل يكون من المنطقي تحريك الوضع حتى لا تقدم اسرائيل ذاتها على استغلال وضع الخليج و تفرض تغييراً ما على الجبهة السورية و هي في كل حال بحاجة الى مثل هذا الامر لتعويض ما فاتها في العام 2006 . اما الوضع الفلسطيني فان امره لا يمكن تجاهله في حجم ردات الفعل و الاداء .

- و يبقى الوضع في لبنان ، حيث يبدو ان الفريق الذي تقوده اميركا يستعجل تحريكه قبل وقوع الحرب ، من خلال عريضة ال70 التي يعلن انها لانشاء محكمة و في حقيقتها تهدف الى تلزيم السلطة القضائية اللبنانية في شقها الجنائي الى الامم المتحدة ( يقيادة اميركية ) لتستعمل سيفاً مسلطاً على رأس كل من يعارض اميركا هنا . و لكن هل يمكن للفريق هذا ان يحمي نفسه او انه يراهن على حماية خارجية ؟

ان الوضع اللبناني و في حالة اندلاع الحرب و في ظل موازين القوى الراهنة سيكون الاكثر اعوراراً ، ، و لن يسلم الفريق الاميركي في لبنان من الاثار السلبية المحتملة للتفجير هنا خاصة و ان ما يمكن ان نتصور من ردات الفعل ضده لن تكون في الحد المسيطر عليه ، اذ ان الشرائح الشعبية التي تناهى الى سمعها انها "ستلتهم هي وقيادتها من قبل السلطة و ميليشياتها" و لن يكون لها فرصة حتى "لتقبيل يد رئيس الحكومة و تقديم الاعتذار و طلب المغفرة" بعد ان تندلع الحرب ، ان هذه الشرائح لن تنتظر تعليق مشانقها حتى تتحرك بل سيكون انطلاقها ،و هي قادرة، اشد و اقوى مما يتصور، و هنا لا نتخيل وقوع حرب اهلية فملفها قد طوي كما نعتقد و الى غير رجعة ، و لكن ننتظر امراً آخر و من منطق موازين القوى و القدرات ذاتها ... ننتظر التغيير الذي سيكون قطعاً ضد مصلحة اميركا ..

انطلاقاً من ذلك نقول ان النصر الاميركي في الحرب هذه صعب للغاية و احتمال تحققه متدنٍ للغاية ما يعني ان قراراً بها لا يكون قراراً عاقلاً لذلك فاننا نستبعد الحرب مراهنة على التعقل لان العاقل لا يقدم على عمل محكوم بالفشل .
اما اذا كان قرار يجانب العلم و العقل و كانت الحرب فاننا نتصور نتائجها كما يلي :

- تدمير في ايران لبعض المراكز المدنية و العسكرية من غير اسقاط الدولة او احتلال ارضها و لكن يكون من شأن هذا الامر ضغط النباض الايراني الذي سيرتد على من ضغطه و ان في ممارسة العقيدة القتالية الايرانية ما يبرر التوقع ، و تكون مفاعيل الرد متجاوزة لحدود ترسمها اميركا لحربها .

- تفاقم المأزق الاميركي في العراق، و تعرض القوى هناك الى ما يفوق الكثير الكثير من المخاطر الت كابدتها اميركا في فيتنام .
- خسارة اميركا لورقة لبنان و خروج فريقها من السلطة .
- تهديد امدادات النفط الى الحد الذي قد يذكر بحرب العام 1973 و حظر النفط خلالها .

ان الحرب لن تحقق لاميركا شيئا ، لا بل قد تعجل في تغيير دراماتيكي لوضعها في الشرق الاوسط ، و اذا راجعنا ما يجري الان في الداخل الاميركي فاننا نستبعد الحرب مرة اخرى، و نقول ان كل ما يجري الان ما هو الا للضغط و التهويل لانتزاع مكاسب سياسية و امنية في العراق و لبنان بصورة خاصة ، و لكن القرار الذي لا يحكمه عقل او علم لا يستطيع ان يتوقعه عاقل او عالم . فهل سيكون القرارالاميركي في الشأن الايراني قرار عقل ام خلافه ؟
الايام الخمسين المقبلة ستقدم الاجابة .فلننتظر و لن
ر

Powered by ScribeFire.

No comments: