Thursday, June 05, 2008

suite au papier de Jihad Zein annahar juin 04 2008

جريدة النهار
حول مقال جهاد الزين "رئيس الجمهورية تحت الامتحان..."
3 انتكاسات مني بها الرئيس
لكن المطلوب أن يصمد
حضرة الاستاذ جهاد الزين المحترم
قرأت بشغف كالعادة مقالتك في "قضايا النهار" عدد امس الاربعاء. وقد انتابني، كالعادة ايضا، شعور بأن هذا القلم يؤجج العقل في زمن الضحل الفكري.
الا ان هذا المقال لفتني من ناحية اخرى، قد تكون الاهم في نتاجك، وهي الموضوعية القصوى الى حد الواقعية الاليمة التي يحجم عن الخوض فيها الكثيرون حين يكون الهوى مسيطرا على الاذهان والقلوب والابصار.
وان تجربتي في الشأن العام في المجلس الدستوري وفي شورة رئاسة الجمهورية، بشخص رئيس "اعتنق" المبادىء والثوابت الوطنية دينا، تجعلني اوافق كليا على مضمون مقالتك لجهة "الاسباب التخفيفية" التي يستحقها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في انطلاقة عهده في ضوء الحجم العارم للتأييد الدولي والاقليمي والمحلي (في غير المضمر منه على الاقل) الذي اتى بالرجل الى المقام الاول.
الا اني ازيد برسم الرئيس الجديد انه لا يكفيه عدلا ان تنظر الاوساط الشعبية والاعلامية اليه نظرة فيها نسبة عالية من "خفض التوقعات" حول شخصه وموقعه السياسي، بل عليه ان يبادر الى افعال وتدابير تمكنه من "القبض على ازمة الحكم"، تلك العبارة المستقاة حرفيا من المادة 50 من الدستور التي تخص رئيس الجمهورية بقسم يمين الاخلاص للامة والدستور. والمقصود ان عليه ان يقبض على الحكم بكل ما للكلمة من معنى للتعويض عن انتكاسات ثلاث على الاقل مني بها هذا الرجل المرهف والمصمم في بداية عهده:
1- ان اتفاق الطائف قد ترك لرئيس الجمهورية اختصاصا محوريا يمكنه من اداء دوره المنصوص عنه في المادة 49 من الدستور، او قسما من دوره اذا كنت اكثر دقة، وهو المشاركة في تأليف الحكومة. وهذا الاختصاص قد يكون الاختصاص الاهم المحفوظ لرئيس الجمهورية الذي هو رئيس الدولة، والذي يرئس مجلس الوزراء حين يشاء، دون ان يحق له التصويت، مما يعني انه يشارك في القرارات بواسطة وزرائه، حتى ان بعض اصحاب الرأي الدستوري قد ذهبوا مذهب اعتبار هذه الصلاحية، في حال احسن الرئيس ممارستها، تعويضا عما خسره من صلاحيات في الطائف.
غير ان ما حصل في الدوحة قزّم حصة الرئيس في عدد الوزراء (والحصة غير المحاصصة) ونزع منه بصورة مباشرة هذه الصلاحية الاخيرة. ونحن لا نقول ان عرفا قد نشأ، بل ان سابقة خطيرة قد حصلت، ولا بدّ لرئيس الجمهورية ان يتصدى لها.
2- تم الاتفاق في الدوحة على الدوائر الانتخابية التي ستجري الانتخابات النيابية المقبلة في اطارها. وهذا يعني ان قانون الانتخاب الجديد، على الاقل في هذا الشق المركزي فيه، قد دخل في معادلة "تسوية الازمة" التي حصلت في الدوحة والتي اتخذت بعدا وطنياً ولم يؤخذ برأي رئيس الجمهورية، الذي لم يكن رئيسا في حينه بل مجرد مرشح توافقي، في شأن هذا القانون الذي يؤلف، مع الدستور، العامود الفقري للنظام اللبناني، اذ هو الرحم الذي تتولد منه السلطة الام، اي السلطة المشترعة. ولا يستطيع بالتالي هذا الرئيس ان يمارس اختصاصه بالطعن بقانون الانتخاب الجديد لدى المجلس الدستوري اذا ما تبين له ان فيه اساءة لمبدأ المساواة او لسائر احكام الدستور التي تنص على التوازن بين المسيحيين والمسلمين في سلطة التشريع، على اقله في المرحلة الانتقالية. ولا اجد حرجا في ان اقول اني لا ارى كيف يمكن للرئيس ان يطلب اعادة النظر في هذا القانون عملا بالمادة 57 من الدستور، كي ينظر فيه مجلس النواب مرة ثانية.
3- التزم الرئيس نص الدستور، وكان يضعه بصورة ظاهرة بجانبه، عندما اتى بالرئيس فؤاد السنيورة رئيسا مكلفا تأليف الحكومة. ولفتني في البيان الصادر عن المديرية العامة لرئاسة الجمهورية الاشارة الجريئة، والسليمة دستوريا، الى ان رئيس الجمهورية قد كلف الرئيس فؤاد السنيورة تشكيل الحكومة الجديدة "بعد ان تشاور... مع دولة رئيس مجلس النواب استنادا الى الاستشارات النيابية التي اجراها...، والتي اطلعه على نتائجها رسميا..." فغابت عن البيان عبارة "الالزامية"، ذلك ان هذه "الالزامية" انما هي في اجراء الاستشارات وليس في نتائجها، طالما ان الاستشارة بطبيعتها غير مقيدة، ولا لزوم للتشاور في حال كانت الاستشارة انهاء، فضلا عن ان رئيس الجمهورية ليس من اصناف الكتاب العدول في وظائف التدوين والتحقق والتصديق. الا ان الرئيس التزم بالنص الدستوري من حيث انه اتبع الآلية الدستورية قبل التكليف الذي رسا على الرئيس فؤاد السنيورة الحائز على تسمية اغلبية النواب الذين استشارهم الرئيس. اما ان ادرج ذلك في خانة "الانتكاسة"، فلأن رئيس الجمهورية، الذي اتى بهذا التوافق، الذي يبدو اليوم كأنه سور من ذهب، انما كان يستأهل تشذيبا للمرحلة الاخيرة الاليمة والبغيضة من رموزها وعناوينها النافرة وشوائبها، فيفتح مع "الوطن" صفحة جديدة من الامل بغد افضل، ولا يرث تناقضات اقر بها بنفسه عندما افصح عن التأخير او التعسّر في تشكيل حكومة العهد الاولى.
ان هذه الانتكاسات الثلاث والتي قد اضيف اليها التوافق الاقليمي والدولي على شخص الرئيس واسمه في سابقة اولى منذ الاستقلال على ما اشرت في مقالتك المتقدة والجريئة، لن تفضي- ولا يجب ان تفضي- الى التسليم "بمنطق خفض التوقعات" والاسباب التخفيفية المشار اليها اعلاه او الى اليأس الذي ادى بالرئيس شهاب رحمه الله الى اعلان بيانه الشهير عام 1970، ذلك ان المطلوب واحد، وهو ان يقبض الرئيس على ازمة الحكم، وان يكون الرد بمستوى الانتكاسات الثلاث اعلاه، فاذا ما حرم من حكومة يطمح اليها في انطلاقة عهده، احاط نفسه بفريق عمل فاعل وخبير وشريف، يساكنه القصر، ويسدي اليه المشورة الصائبة ويشير الى مواقع الخلل في الاداء والممارسة، وللرئيس في ذلك بدايات مشجعة؛ واذا ما حرم من المساهمة في اعادة تكوين السلطة في الانتخابات النيابية المقبلة، سهر على اجرائها وفقا لافضل المعايير المعتمدة في الدول الديموقراطية العريقة كي يأتي التمثيل صحيحا بالقدر الممكن، وله في اصلاحات مشروع قانون لجنة فؤاد بطرس ما يمكنه من الترويج لهذا المنحى الاصلاحي؛ واذا ما حرم من انطلاقة عهد على ما كان يأمل فالانتخابات النيابية المقبلة سوف تأتيه برئيس حكومة مكلف خارج من "المطهر الشعبي".
ويبقى ان يصمد الرئيس، وان يلتف حوله اللبنانيون اولا، وهم يتوقون الى رمز لوحدتهم وضامن لامنهم وسلمهم الاهلي وساهر على هناء عيشهم ومستقبلهم.
واني اذ اجدّد اعجابي بنتاج قلمك وفكرك، وليس في ذلك اطراء لم اعتد عليه هباء، اتقدم منك ومن صحيفة "النهار" الغراء التي اوكلت اليك تحرير ارقى صفحاتها، بأسمى مشاعر التقدير والاحترام.

سليم جريصاتي

(محاضر في كلية الحقوق والعلوم السياسية في بيروت عضو المجلس الدستوري سابقا

ً
)

No comments: