Tuesday, November 18, 2008

Jad El Hage in Al Hayat

كوارث ... أو نشرة أخبار مضجرة
جاد الحاج الحياة - 18/11/08//

إما أن تحدث انهيارات وانفجارات واغتيالات فاجــعة فيقـصر عمر المقــدمــات الأخبارية على شاشاتـنـا المصـون لتـتـفرّغ، وبكل ضراوة، الى عرض المشاهد المريعة والتعليق عليها ووصفها بأدق التفاصيل الدموية، أو تأتي النشرة الأخبارية أشبه بقصاصات مبعثرة من دفتر انشاء مملّ، فتطول المقدمة ويمعن محترفو البديع في تطريز ما اتفقوا على تسميته زوراً بـ «الأدب السياسي» وهو أدب في حاجة الى تأديب، خصوصاً حين يصاب المذيع (والمذيعة) بنشوة الإفصاح عن مكنونات الاحباط الإبداعي الكامن وراء مقدماتهم، فيظهرون أقرب الى ممثلين تنقصهم البراعة يقومون بأدوار مذيعين (ومذيعات) ينقصهم الاحتراف.

لكن السؤال يبقى كما هو: لماذا نكون في حاجة الى الموت كي نحيي النشرات الأخبارية؟ هل صحيح أن ما سمّي «ثقافة الموت» طاول كل مصادر الابتكار المهني كما طاول كل أطراف النزاع الذين باتوا يتسابقون على نبش القبور كلما أرادوا الإعلان عن بقائهم أحياء، فملأوا الشوارع بصور موتاهم وذيّلوها بتعليقات ميلودرامية مضحكة – مبكية؟

ماذا عن الأحياء؟ ماذا عن الناس ومشاكلها اليومية؟ ماذا عن الفرد؟ نعم الفرد الواحد، المخلوق البشري، الإنسان؟ ماذا عنه في خضمّ المآتم التي إن لم تكن راهنة استنبشوها وأعادوها هادرة بتفجعات تتسوّل الشفقة وتستدرّ الأحزان؟

هناك قضايا أساسية يعيشها كل مجتمع من المتوقع والمطلوب أن تحضر في مشهد العمل الإعلامي لأنها ان لم تعالج ستبقى وستستفحل وبالتالي يكون الإعلام قد قصّر في أدائه المهني تقصيراً فاضحاً.

ألا يعمل فريق التحقيقات في محطات التلفزة العربية على مشاريع ثابتة؟ ألا يلاحق المشكلات الحياتية المكدسة أمامنا كيفما التفتنا أو لم نلتفت؟ وهل تحدث تفجيرات يومية في السويد، في كندا، في استراليا مثلاً كي تُعتبر نشراتها المتلفزة حيّة وذات أهمية نسبة الى المشاهدين فتستحق حراك الإعلاميين وإلا جلسوا في مكاتبهم بانتظار الموت كي ينهضوا ويتصدّوا لمظاهره المروّعة بكاميراتهم وكلماتهم، كما يتصدّى المزارعون للأوبئة بمرشات السموم؟

لم يعد يحق لأحد أن يشير الى آخر باحتكار ثقافة الموت، إذ يبدو انها الثقافة الوحيدة المتبقية في ثقافتنا الإعلامية.

تعازينا.



Powered by ScribeFire.

No comments: