Monday, February 23, 2009

As-Safir Newspaper - طلال سلمان : مئة يوم على الانتخابات بالحرب الأهلية

مئة يوم على الانتخابات بالحرب الأهلية
ومقارنة سريعة مع «الديموقراطية الإسرائيلية»!




طلال سلمان
باقٍ من الزمن مئة يوم على موعد الانتخابات النيابية في لبنان، التي ستقرر مصير الكون!
على المستوى المحلي، سيذهب الناخبون، إن هم ذهبوا، ليقرروا موعد الحرب الأهلية الجديدة... هذا إذا لم يتكفل التنافس الديموقراطي بتفجير الحرب قبل الموعد التوافقي لإجرائها، أي السابع من حزيران 2009.
وهم سيذهبون رعايا طوائف، ورعايا «دول» ضمن مناخ محتدم، كلما نجح «أهل الخير» في تهدئته، اندفع المتضررون من السلم الأهلي إلى تحويل ما تبقى من خلاف سياسي إلى صراع أديان ومذاهب و... قوميات!
في مجال «البرامج» يمكن أن يقرأ «الناخب» الأولويات ذاتها وبالعبارات ذاتها، والمطالب ذاتها حتى لو اختلف «ترتيبها».
أما في ما يتصل بميزان القوى الداعمة، فإن ما تسمعه يكاد يؤكد لك أننا أمام انتخابات أممية، ـ إذ ـ تتوالى في سياق الحديث أسماء الدول الداعمة بالمال أو بالنفوذ، لهذه الجهة أو تلك، بلا استغراب، أو تخوّف من سوء الفهم وبالتالي من أي تعريض بوطنية محدثك أو لائحته المختارة...
عليك والحال هذه أن تفترض أننا أمام معركة كونية، لكل دولة ذات وزن فيها نصيب... والكل يقبل من الكل اتهامه بالولاء لخارج ما، ويجدّد ما يبرّر به مثل هذه «التحالفات» بين قوى سياسية محلية محدودة الحجم والقدرات وبين أقوى دول الأرض.
كل طائفة انتزعت لنفسها شعاراً وهوية: لبنان أولاً، لبنان ثورة الأرز، لبنان السيادة والاستقلال، لبنان الذي يجب أن يعلن حياده، دولياً، مبتعداً بنفسه عن عوامل الصراع في هذه المنطقة المضطربة... وبالمقابل فهناك من يرى إسرائيل عدواً ويقول بضرورة الاستعداد للمقاومة ومواجهة أطماعها، مستشهداً بمسلسل الاعتداءات الإسرائيلية التي بلغت حد الحرب على لبنان وأكثر من مرة، والتي تمتد ما بين 1968 و2006، هذا إذا أسدلنا ستارة النسيان على ما أصاب لبنان واللبنانيين من أذى ودمار نتيجة إقامة المشروع الإسرائيلي فوق أرض فلسطين.
من حيث المبدأ يفترض أن شعارات السيادة والاستقلال والمقاومة والتحرير توحد بين اللبنانيين ولا تفرقهم، فلا تعارض بينها ولا تضاد.
لكن المؤسف أن هذه الشعارات تحولت إلى «اختصاصات»!! كأنما لكل فريق اختصاصه الذاتي المتناقض مع اختصاص «خصمه»: كأنما المقاومة ضد الاستقلال، أو كأنما ثمة مباراة تنافس فيها دول عديدة لبنان على المرتبة الأولى!
أو كأنما الوطنية بحاجة إلى شهادات مصدقة من «الخارج»، ولا تصح إلا بها!
وحكاية «أولاً» هذه باتت ظاهرة عربية تستحق التوقف أمامها بكثير من الدهشة والاستغراب والتساؤل عمن ابتدعها وعمن يقف خلفها: من ينافس، الوطن، أي وطن على منزلته من نفوس مواطنيه؟ إن مجرد القول «مصر أولاً» يعني الإساءة إلى مصر وإلى المصريين، وكذلك الأمر بالنسبة للبنان وأي بلد عربي آخر.
إنه تشكيك فج بوطنية الآخرين، الذين قد يختلفون على مسائل داخلية تتصل بطبيعة النظام وقصوره أو عجزه عن الإنجاز، ولكن من يحق له أن يصنف نفسه أحرص على الوطن من المواطنين الآخرين؟ ثم من يحل «ثانياً» ومن يحل ثالثاً ورابعاً في هذه المنافسة السخيفة بين «الأوطان»؟!
... وهذا الشعار المهين لوطنية المواطنين هو هو المدخل «الشرعي» الذي يسلكه السفراء والموفدون لتقسيم اللبنانيين إلى درجات في إيمانهم بوطنهم... حتى لقد بات بعض السفراء مصدر إعطاء الشهادات بالوطنية، فضلاً عن الديموقراطية وحقوق الإنسان والشرق الأوسط الجديد!
من باب المقارنة ذات الدلالة ليس إلا، تمكن الإشارة إلى الانتخابات الإسرائيلية التي واكبت «المحرقة» في غزة ـ فلسطين والتي استهدفت الأطفال والنساء والرجال والبيوت والمساجد والمدارس والمستشفيات والجامعات ومكاتب وكالة غوث اللاجئين!
لقد خاض الإسرائيليون جميعاً الانتخابات... وكانوا جميعاً إسرائيليين: كلهم مع الحرب على فلسطين كلها والفلسطينيين جميعاً، وعلى كل من يناصرهم ويؤيد حقوقهم في أرضهم. الآتي من روسيا قبل شهور أو سنوات قليلة تصرف كإسرائيلي، وكذلك الآتي بجنسية أميركية أو ألمانية أو فرنسية إلخ. ربما اختلفوا في برامجهم الداخلية لكنهم في ما يتصل بإسرائيل كدولة لليهود، وما يتعلق بأمن إسرائيل وتطورها الاقتصادي، إسرائيليون موحدون بلا فواصل أو فوارق، في الجوهر كما في التفاصيل.
في نظرهم جميعاً العدو هو العدو. لا يختلف عندهم اللبناني عن السوري عن المصري عن الفلسطيني، صاحب الأرض، بغض النظر عن الاتفاقات والمعاهدات.
بل إنهم قد اختلفوا، مرات، وقد يختلفون مجدداً، حتى مع الإدارة الأميركية، وقد يواجهونها إذا هي حاولت أن تفرض عليهم ما لا يقبلونه!
ذهبوا إلى حرب غزة موحدين برغم أنهم كانوا مختلفين في ما بينهم، داخل إسرائيل، وعبّروا عن خلافاتهم ديموقراطياً... وكانت المذبحة في غزة بين ما وحّدهم. وحتى جيشهم الذي يتألف من ناخبين لم يتأثر للحظة باختلاف مواقف الأحزاب التي ينتمي إليها العسكريون، فهو جيش «الدولة»، والدولة هي دولة الجميع.
[ [ [
ليست دولتنا دولة الجميع، لذا يتهددها التشقق ورياح الحرب الأهلية عند كل منعطف سياسي مؤثر.
وإذا اهتزت «الدولة» افرنقعت القوى السياسية وتصادمت بالشعارات التي قد تتطرف حتى حدود الفدرالية، وقد تقود هذا الشعب العبقري في بؤسه إلى حافة الحرب الأهلية!
ومن أسف فإن كل انتخابات نيابية أو رئاسية كانت تفتح الأبواب مجدداً أمام التدخل الأجنبي المكشوف، والذي غالباً ما يأخذ اللبنانيين إلى حرب أهلية جديدة تنهك جمهوريتهم الصغيرة القائمة على توازنات هشة لا يحصنها إلا الوحدة الوطنية، من فوق الدول، ومن خارج نفوذ الدول وهيمنتها على قرار الأطراف المعنية.


No comments: