Tuesday, March 24, 2009

عيب... إلا إذا كانت نهاية الزمان | جريدة الأخبار
عيب... إلا إذا كانت نهاية الزمان

جان عزيز

ثمة أمور لا يمكن المرور بها أو التغافل عنها. لا سجالاً ولا نزالاً، ولا من باب المرافعات، بل لمجرد الأمانة للذاكرة والحقيقة، ولو كان ثمن هذه الأمانة ما سيكون راهناً أو مستقبلاً...
مثل أوّل، ما أدلى به وزير مثقف، قبل يومين، إلى صحيفة خليجية. قال الوزير المقصود، والحرف الأول من اسمه طارق متري، ما حرفيته الآتي: «أقول بكل صراحة وبلا أي حرج، وليفسّر كلامي من يفسّرونه كما شاؤوا: هناك بين اللبنانيين تيار كبير ومؤثر في الحياة السياسية اللبنانية يمارس يومياً لغة الإثارة والتجريح والتحريف والتخويف والتخوين وإدانة النظام. فريق لا يؤمن بجدوى الحوار ومعبّأ أيديولوجياً ضد فريق أو فئة أو طائفة أخرى. أعرف شبّاناً متحمسين كثراً، أجهل بما يؤمنون، لكن أعرف من يكرهون. أعتقد أن الكره لشخص أو لفريق لا يمثّل برنامجاً سياسياً. وأعرف أيضاً أناساً كثراً ينقادون وراء زعماء لا يحملون شيئاً في محتوى موقفهم، اللهم إلا كلاماً عاماً عن الفساد والحرية.. أفكاراً عامة لا طائل منها».
ترى من يقصد؟ طبعاً ليس المقصود «التيار» الذي يرعى حركة التكفير الأصولية السلفية ضد المسيحيين، وحتى ضد الشيعة ـــــ «الرافضة». وحتماً لا يقصد «التيار» الذي حضن مرتكبي مجزرة حلبا السلمية الحضارية وصوَّرها ووزّع صورها، إرهاباً، بالمعنى القاموسي لمفهوم الإرهاب. وقطعاً لا يقصد الوزير «التيار» الذي يتناغم مع كلام الجوزو الحواري الراقي، ولا «التيار» الذي يجد جذوره الشعبية في البيئة التي أنبتت زياد الجراح، أحد إرهابيي 11 أيلول، ولا «التيار» الذي يستمد شرعيته وديموقراطيته من سوق سلالات العائلات، المرتبطة بدورها بنظام الحنبلية الوهابية العائلية الفريدة في العالم المعاصر، حديدية وانغلاقاً...
لا يقصد الوزير أياً من ذلك. فلا ماضيه ولا حاضره، ولا حتماً مستقبله السياسي، يشي بمثل هذا الاتهام. لا بل المرجّح أن يكون الاتهام موجهاً ضد تيار الأكثرية المسيحية. وهو تقليد كرّسته الأصوات المسيحية الخارجة عن «المنطق الأكثري» لجماعتها، منذ عقود طويلة. حتى إنه كان ثابتاً منذ الستينيات أن ضرب هذه الأصوات في «أهلها» هو علة وجودها في المقالب الأخرى، كما هو شرط ترقيها واستحقاقها هناك. وكان «الإفلاس الفكري» لليمين المسيحي طيلة تلك العقود، كما يصفه الراحل كمال الحاج، محفّزاً لتلك الأصوات على «الخروج»، واحترافها هذا «الجَلد».
غير أن ما كان مفهوماً، وإن كان موضع جدل في الستينيات، زمن الثورات الفكرية والمخاضات اللبنانية الحداثية، بات اليوم غير مقبول ولا مفهوم، إلا من باب التجنّي لا غير. فهل يعقل، وسط ظواهر الأصوليات الفطرية المنتشرة، ووسط السيطرة الكاملة لأسوأ الأنظمة أحادية وأوتوقراطية، ووسط استعباد المال السياسي للحياة العامة، ألا يرى الوزير إلا ما رآه! فماذا لو فتحنا الدفاتر القديمة... نكتفي بهذا القدر، حرصاً على ثقوب الحوار الباقية في جدار ما سمّاه بنجامين سميث: «بترو ميركانتيلية».
مثل ثانٍ، ما يزيّن به فريق الأكثرية بعض ملصقاته الإعلانية: «حرية سيادة استقلال». ترى، هل فكّر واضعو هذا الملصق للحظة لماذا صودف أنّ شعارهم «مسروق» من شعارات «التيار» نفسه الذي غمز من قناته وزير محسوب عليهم؟ لماذا، مثلاً، لم يصادف أن يقتبسوا شيئاً ما من أدبيات تيار «المستقبل» سابقاً، مثل أن الوجود السوري ضروري وشرعي وموقت، فيغيّروا في صياغته ليصير نفياً لكل ذلك، على سبيل المثال. أو لماذا لم يأخذوا كلاماً جنبلاطياً مشهوداً، من نوع أن المختارة بوابة الشام، فينقضوه ويقلبوا مضمونه. أو حتى لماذا لم يستقرضوا الشعار الوحيد لحزب ستريدا جعجع طيلة عقد ونيف: براءة براءة... بمعزل عما بقي منه وتكشّف عنه بعد سلسلة الاعتذارات والمصالحات...لماذا صودف أن المكان الوحيد الصالح لفعل «السرقة» هو هذا المستودع بالذات؟!
مثل ثالث، حين يشيد سامي الجميّل بأحد أكثر أصوات غازي كنعان تذكيراً بعربدة عنجر، وحين يصف صاحب «حلف لبناننا» تلك الشخصية المعنية بهذا الصوت بأنها «صوت الحق»، فهذا يعني أن الزمان قد أشرف على علامات النهاية...
قد يستاء كلّ المعنيين بهذا الكلام؟ المهم ألا تستاء أمانتنا للحقيقة وللذاكرة المفتوحة، والتي فيها الكثير الكثير بعد.


No comments: