Monday, May 25, 2009

قصتنا قصة مع هذه الزعامة السنية الأوحدية by M A Nsouli

قصتنا قصة مع هذه الزعامة السنية الأوحدية.

محمد أنيس النصولي

    بيروت في

25-5-2009

أذكر عام 1992 لما بدت طلائع وصول رفيق الحريري إلى سدة الرئاسة الثانية, إستبشرنا بالأمر خيراً, وكنت أعمل في الخليج فلا أتابع تفاصيل مجريات الأمور ولم ندري بمشروع قانون سوليدير وخفاياه, ولم نتابع كما يجب إلغاء وزارة التصميم وإنشاء المجالس من مجلس الإنماء والإعمار وغيره, ووضع الصناديق في موضع الوزارات كصندوق الجنوب وصندوق المهجرين وغيرهم من المجالس والصناديق التي جعلت جميع خيوط صرف الأموال في يد رئيس مجلس  الوزراء. ومن يريد أن يلحقهم كحلفائه أو كأنصاره بإعطائهم إمكانية البناء والصرف وبناء الزعامات الموالية له دون حسيب أو رقيب. وبمساعدة إقليمية حثيثة.
فبجانب أموال الدولة التي كانت تصرف يميناً وشمالاً وبطريقة عشوائية لبناء زعامة رفيق الحريري, كان هناك إستيلاء تام على الأسواق في بيروت من ملاكيها ومستأجريها ومستثمريها بأبخس الأسعار ودون أن يرف جفن القضاة الذين جلسوا في مكاتب الشركة العقارية وجموع البيارتة تمر من أمامهم وتتنازل عن حقوقها بأرخص الأثمان. وكانت هذه خطة محكمة للإستيلاء على أسواق بيروت بمساعدة جيش من المحامين والقضاة والموظفين والأجراء لحساب الزعامة الحريرية حتى تتمكن من إفقار جميع البيارتة السنة إن أمكن والسيطرة على منافذ الحياة لديهم وتطويعهم ليكونوا رهن إشارة هذه الزعامة. وقد أصبح الكثير من هؤلاء الأجراء نواباً ووزراء وهم يتناطحون الآن لوراثة السنيورة.
قلة من البيارتة احتجوا وكثيراً منهم طلب من الله بينه وبين نفسه ردّ هذا الظلم والانتقام من الظالم. أما الزعامات القديمة التي كانت متواجدة حين ذاك فانشغلت بالحصول على المساعدات المادية من الحريري لأنها كانت قد أفقرت على مرّ السنين أو أخذت بمحاولاته الحصول لها على رضا السوريين حتى تتمكن من العودة إلى بيروت بعد تأييدها لإتفاقية 17 أيار , أما وريثها الذي كان "سيدها فأصبح مطبلاً بعرسها", فقد انشغل ببيع مقابر السنة للشركة العقارية والحصول على الأموال لمآربه الخاصة. قبل أن يوضع على الرف سياسياً ثم يعاد أخيراً إلى نفض الغبار عنه وإعادته إلى الحياة السياسية لمآرب إقليمية.
أما بقية البيارتة من الموظفين والأجراء والعائلات  الأخرى التي لا تملك شيئاً في الأسواق فرأتها فرصة سانحة لها للخلاص من تسلط عائلات التجار. وجاء من يساعد هذه العائلات وأفرادها: الحريري نفسه. وقد حصل على البلايين ينفق ملايين منها لإنشاء طبقة جديدة من المتعلمين على حسابه حتى لا ينسى أحداً فضله مدى الدهر..نفقر البعض ونغني البعض الأخر فمن أفقر انضم صاغراً إلى زعامتنا ومن أعطى سبل الحياة في العلم أصبح من رجالنا. مخطط هائل ممولٌ لإنشاء زعامة تقوم على أموال الدولة عن طريق إنشاء المجالس والصناديق وغيرها...ولو أصبح الدين وفوائده المدفوعة أكثر من مئة مليار دولار أمريكي, وأموال أهل بيروت وتجارتهم وأسواق أجدادهم ولو كان عمرها مئات السنين في خبر كان. ولو أصبح أهل بيروت لا يحصلون إمكانية التملك فيها وأصبحوا من سكان قرى إقليم الخروب الجنوب.
الكثير فقد تجارته والكثير فقد موقعه فأصبح تاجراً في أسواق السرلانكيات والحبشيات والفلبينيات والهنود ومن لفّ لفهم. وقامت الزعامة الأوحدية واغتيل الرئيس الشهيد فنسي الجميع ما مضى, وأصبح كل من يتكلم عنه أو يذكر بمآثره من قتلته أو يذم بالذات الإلهية. وأصبح قديساً لدى البعض ووليٌ لدى البعض الآخر. وأصبح من عمّر وعلىّ وعلّم لا من دمر وعمّر ما يريده وعلّم "لغاية في نفس يعقوب". ومن أموال أهل بيروت ومن أموال الدولة اللبنانية التي استعملت بعد ذلك لإنشاء إمبراطورية إعلامية ظاهرة ومخفية تعمل طوال الوقت لغسل أدمغة اللبنانيين وبالأخص أهل بيروت, وخلق الزعامة السنية الأوحدية.
وكنا قد خبرنا التعامل مع الرئيس الحريري قبل ذلك أي في سنة 1996 آملين أن يكون حوله مجلساً إستشارياً من العائلات البيروتية ومثقفيها ورجال أعمالها وصناعيها وتجارها وغيرهم قبل أن تتكشف لنا حقائق الشركة العقارية وعملية إلغاء أهل بيروت وتجارتهم وحتى مقابرهم جملة وتفصيلاً.
وبدء العمل في إنشاء إتحاد جمعيات العائلات البيروتية, بدئناه في مركز أنيس النصولي في المصيطبة, وكنا أربع جمعيات لعائلات بيروتيه فأصبح بعد سنتين من العمل الدءوب المخلص يضم ثمانية وعشرين جمعية لعائلات بيروتية. ووضع له نظام أساسي ونظام داخلي. وكانت أهدافه إقتصادية واجتماعية وثقافية فحولت بواسطة أحد موظفي الحريري إلى سياسية همها إلباس العباءة للزعامة البيروتية الأوحدية , فأضحى أهل بيروت السنة أعضاء قبيلة يخيمون على أطرافها. وكان الإتحاد سبيلاً لزرع الفتن والمشاكل بين أعضاءه وداخل العائلات حتى لا يكون لهذه العائلات مجال البتة بالإنتقاد والإعتراض, وأصبح أعضاءه يقادون كتلاميذ المدارس فالرضا للشاطر المطيع  والتأنيب للمخالف, ولو كان يعمل في سبيل مصلحة أهل بيروت السنة بنية حسنة, ولو انتخب صمّ بكمّ نائباً عن بيروت.
وشلّ إتحاد جمعيات العائلات البيروتية وأصبح لا قول له ولا فعل حتى بالدفاع عن تاريخ بيروت العربي المناضل يوم غزة. وأصبح خريجي المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت يقولون "بلبنان أولاً" بدلاً من "العروبة أولاً" كما كانوا دائماً. ولم يعد لأهل بيروت أية أهمية سياسية. ولم يعد من عادات الزعيم السياسي الأوحد زيارة كبارهم والسؤال عن أحوالهم الإقتصادية والإجتماعية. والقيام بواجب العزاء أو التهنئة لهم بإسم الداعي الأمني. ولم يقوم الزعيم الأوحد حتى باستئجار أو شراء شقة تكون مركزاً للإتحاد فيجتمع الزعيم بأهل بيروت فيها. وأصبح أهل بيروت تابعين لسنة الإقليم وعكار والضنية وطرابلس وصيدا والبقاع. وأصبح لهؤلاء الكلمة الأولى والزيارة الكبرى والإنتباه الأكرم والتبرع الأعظم والرأي الأهم. وأصبح سنة لبنان لهم الأسبقية على سنة بيروت. ولا عجب أن يدعى سنة عكار والضنية وغيرها لحمل السلاح والدفاع عن أهل بيروت الذين لا حول لهم ولا قوة, ولا عجب أن تستباح أحياء بيروت من قبل المليشيات السنية الغير منظمة قبل أن نعطي لذلك المجال بسياساتنا وقراراتنا الخرقاء لدخول أفراد المقاومة لإصلاح الخلل. ونجعل من القضية "قميص عثمان" حتى ينسى البيارتة السنة واقعهم المرير وسياسة إفقارهم ووضعهم على هامش كل شيء فيأخذهم الحماس وظواهر الأمور ويضعون كل مرارتهم على إخوانهم الشيعة الذين سبقوهم بأشواط لإخلاص وتجرد زعاماتهم. سياسة عثمانية خرقاء.. وحربٌ مذهبية لا تبقي ولا تذر بدلاً من العمل على إنشاء شبكات الأمان الصحية والسكنية والبيئية والإجتماعية والإقتصادية...لأهل بيروت السنة الذين أصبحوا في أسفل الدرج بين المذاهب اللبنانية بفضل الزعامة الحريرية السنية الأوحدية التي أقفلت منذ مدة جميع أنواع المساعدة الصحية والإجتماعية والإقتصادية لأهل بيروت حتى جمعية التنمية. ووضعت كل ثقلها في تيار المستقبل الذي تعمه فوضى الطمع, والتسابق على المنافع, والإقطاعيات الداخلية.
فإلى أين نحن ذاهبون؟ وإلى متى؟ وكيف نعيد الروح الأبية الشجاعة المقدامة لأهل بيروت؟ أبمرشحين للموالاة أكل عليهم الدهر وشرب لم يتركوا شيئاً يعتب عليهم في مجال الأخلاق الحسنة والتصرف الوطني والإجتماعي والإقتصادي  السليم. أم بمرشحين للمعارضة لا يعلمون من أين تأكل الكتف إذا لم يساعدهم الإخوان الشيعة والمسيحيون في الإمساك بقضيتهم والوصول إلى قلبها والدفاع بحميّة المؤمن عنها.
لا شك أننا بحاجة إلى ثورة داخل أهل بيروت تعيد لهم قيم الماضي وحضارته وتراثه حتى يستعينوا بها في بناء الحاضر والآتي ولا نقول "مستقبلهم".

 



No comments: