Thursday, September 17, 2009

مماطلة مطلوبة.. حكومة مؤجلة؟
ليلى نقولا الرحباني

بغضّ النظر عن نتائج الاستشارات النيابية الملزمة الثانية التي عُرفت نتائجها قبل حصولها، وبغضّ النظر عن التسمية الاكثرية لسعد الحريري، من المفيد العودة بالوقائع قليلاً للاستفادة منها في استخلاص العبر، ومعرفة ما يمكن أن يقوم به سعد الحريري في الفترة المقبلة من فترة تكليفه الثانية التي يُرجح انها ستكون فترة تقطيع وقت اخرى كالتي سبقت.

بداية، إن أي هجوم سياسي واعلامي من قبل الاكثرية على المعارضة بأنها هي التي عطّلت على سعد الحريري تشكيل حكومته في الفترة الماضية، والتهويل على اللبنانيين بأن المعارضة تتعمد التعطيل، هو كلام دعائي اعلامي لا يجب أن يعمي بصيرة الرأي العام ويغرر به، ولا، بأي حال من الاحوال، أن يجعل المعارضة تسكر بـ "قدرتها على تعطيل ما لا يكون منسجمًا مع طروحاتها ومع خياراتها الاستراتيجية والمبدئية"، إذ ان ما تمّ لم يكن سوى سيناريو محبك ومعدّ باتقان.

قدم الحريري تشكيلته الصدامية السابقة، وهو يدرك مسبقًا أن المعارضة سترفضها وستظهر بموقف المعرقل لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" تخرج البلاد من المأزق السياسي الواقعة فيه، وقد ضمّن الحريري التشكيلة المقترحة ألغامًا أخرى بحيث لو قبلت المعارضة الصيغة التي قدمها لرئيس الجمهورية وأحرجته، فإن اقطابًا من الاكثرية وأحزابًا ـ خاصة المسيحية منها ـ كانت سترفضها، وبالتالي يتعطل تأليف الحكومة فيعتذر الحريري ثم يعاد تكليفه من جديد.

إذًا، هي خطة مدروسة قام بها الحريري بايعاز خارجي من أجل كسب الوقت الى أن يحين موعد الاستحقاقات الدولية التي تنتظر ردود أفعال من قبل بعض القوى الاقليمية الفاعلة.

إن المتابع للحركة الاقليمية والدولية لا يمكن أن يغفل ان هناك حراكًا دوليًا واقليميًا يحصل في المنطقة وبطبيعة الحال فان لبنان معني أكثر من غيره بهذه التحولات وهذا الحراك الكبير. وذلك كما يلي:

- الملف الايراني: تعدّ الولايات المتحدة العدة لحوار مع ايران سيبدأ مطلع تشرين الأول المقبل، ومن يعرف السياسة الدولية يدرك تمامًا ان الضغوط والشروط المتبادلة ولقاءات ما وراء الكواليس التي تكون قبل الحوار العلني وخلاله هي الاساس في العملية التفاوضية برمتها، ولا شك ان لبنان اليوم بتأجيل تشكيل الحكومة يدفع ثمن الضغوط الاميركية التي تتشدد من أجل الوصول الى تنازلات فتفاهمات.

- أما سوريا، فتشهد حركة دبلوماسية نشطة على مستويات عدة منها زيارة العاهل الاردني لسوريا وزيارة المعلم الى تركيا، لاستدراك ما حصل في الفترة الماضية على صعيد علاقاتها مع العراق. فبعد ان استمر المسرح اللبناني فترة طويلة هو المحرّك للضغوط على سوريا، انتقل الى العراق، ما جعل المالكي يضطر الى لعب الدور الذي كانت الاكثرية تلعبه في لبنان كرأس حربة في تهديد النظام السوري بالمحكمة الدولية والقصاص والاتهام بالاغتيالات والتفجيرات. واللافت أن المالكي عمد الى اجراءات تذكّر بما أقدم عليه السنيورة من مراسلة مجلس الامن بخصوص المحكمة الدولية بدون العودة الى رئيس الجمهورية، ضاربًا بالدستور اللبناني والقوانين والاعراف عرض الحائط.

وليس بعيدًا عن حركة الكواليس تلك ومفاوضات ما وراء الستار وما يرافقها من "عصي وجزر" ما ذكرته مصادر دبلوماسية في بروكسل من ان الاتحاد الاوروبي يمكن ان يتخذ قرارًا في تشرين الاول بإبرام اتفاق شراكة مع سوريا وذلك في خطوة يريد من خلالها الاتحاد الاوروبي " توجيه اشارة لتشجيع دمشق على لعب دور بناء في الشرق الاوسط"، بحسب مصدر دبلوماسي أوروبي، فيما تسعى الولايات المتحدة الى اعادة اطلاق مفاوضات السلام الاسرائيلية الفلسطينية.

- ويبقى الوضع الفلسطيني، وما يُحكى عن سعي دولي لطمس حق العودة، وتوطين الفلسطينيين في أماكن وجودهم، وقد يكون إلهاء اللبنانيين بأخبار الحكومة والتكليف والاستشارات والمماطلة بها ما هو الا ستار لإمرار أخطر مخطط بحق الوطن اللبناني وبحق القضية الفلسطينية.

إذًا فليستعد اللبنانيون لمرحلة أخرى من تقطيع الوقت والمماطلة سيقوم بها سعد الحريري، بالاضافة الى شحن إعلامي وسياسي وطائفي ستقوم به الاكثرية التي تريد التستر على خطة ملزمة بتنفيذها، من دون معرفة مآلها ونهايتها، فكل هذا رهن بتقدم الملفات التي ذكرناها، ومن بيده الحل والربط لم يفصح لغاية الآن، هل يريد سعد الحريري فعلاً لرئاسة الحكومة اللبنانية أم أن الحريري الشاب سيكون ضحية ظروف اقليمية ودولية غير مؤاتية قد تحوله "كبش فداء" لحل ما سيأتي أوانه عاجلاً أم آجلاً.
الانتقاد




Powered by ScribeFire.

No comments: