Monday, November 02, 2009

From Leila Rahbani

تحريض رجال الدين....كفى!


ليلى نقولا الرحباني

لم يكن التصريح الذي أعطاه البطريرك صفير لمجلة "المسيرة" خارج إطار السياق العام لتصريحاته، فلطالما دعا الى تأليف حكومة من لون واحد معتبرًا ان "حكومة الوحدة الوطنية هي عربة يجرها حصانان"، ولطالما كان التحريض ضد طائفة أخرى في البلاد هي الطائفة الشيعية هو لسان حاله... وفي سياق مماثل، لطالما قام المفتي الجوزو باطلاق تصريحات عنصرية مماثلة، سامحًا لنفسه باطلاق الصفات والنعوت على هذا وذاك من السياسيين ومحرّضًا بطريقة فجة ضد الطائفتين الشيعية والمسيحية وممثليهم في البرلمان.

وبدون أن ننسى مواقف المفتي قباني المستمرة ونزوله الى السرايا ليؤم الصلاة فيها، وذلك في خطوة دفاعية عن السنيورة الذي نزل أكثر من نصف شعبه لدعوته للاستقالة، وبدون أن ننسى أيضًا تدخل رجال الدين من هنا وهناك في الانتخابات النيابية وفي التحريض المذهبي وفي تسعير نار الطائفية الكامنة في نفوس المواطنين.

من هنا، يبدو أنه لا بد من صرخة مدوية تصل صداها الى رجال الدين من الطوائف اللبنانية كافة، تقول لهم كفى!! كفى طائفية وحقد وضغينة!! كفى، ستقضون على لبنان وتحرقونه ولن تجدوا من يبكي على أطلاله بعد ذلك!!

وبعدها، لا بد لنا من التفكير بحل عملي ينهي هذه الظاهرة المتفاقمة والتي تكاد تقضي على الوطن وتودي به الى حرب أهلية داخلية، تبدأ بتحريض من رجل دين هنا ورد من رجل دين هناك، تبدأ بعبارات طائفية بغيضة لكن لا يُعرف كيف تنتهي ومن يتدخل فيها وما هو الثمن المدفوع.

اذا درسنا التاريخ الاجتماعي والسياسي اللبناني نستطيع ان نقول ان المحاصصة الطائفية كانت السبب في كثير من الازمات الداخلية والحروب، وهي الحاجز المانع للتطور الديموقراطي للنظام. لقد كانت هذه الطائفية سببًا في الكثير من التدخلات من قبل الدول الكبرى، وقد أدت الى انتقال لبنان من أزمة الى اخرى والى توارث احقاد طائفية بغيضة أدت بالوطن الى التمزق والتفتت.
وعليه، من أجل الخروج من الدوامة المستمرة من التدخلات والتدخلات المضادة، ومن أجل العبور بلبنان من دولة الرعايا الى دولة المواطنين، والتخلص من الفكرة الدولية التي ترى في لبنان "الدولة الحاجز" أو "الدولة الساحة"، علينا أن نقضي على المحاصصة والاحقاد الطائفية والزبائنية والسير باتجاه علمنة الدولة والمجتمع.

اليوم أكثر من أي وقت مضى، تبدو "الدولة العَلمانية" هي الحل الضروري والانقاذي لاخراج لبنان من الازمة البنيوية للنظام السياسي، وللفصل بين النظام القابل للتعديل والتغيير، وبين الكيان الوطني الثابت. وتجاوزًا لحساسية البعض على استخدام مصطلح "العَلمانية" ولئلا نغرق في الشكليات والتسميات وننسى المضمون والهدف المنوي تحقيقه، يمكن لنا استخدام تعبير "الدولة المدنية" بدل "الدولة العَلمانية"، طالما أن الجوهر واحد، وطالما أن الاتفاق والتراضي هو الذي يجب أن يسود في لبنان ولا يمكن فرض "العَلمانية" فرضًا كما حصل في تركيا.

أما "الدولة المدنية" التي نطالب بها في لبنان، فنريدها أن تؤدي الى ما يلي:
1- تحرير الوطن، من خلال اعادة الاعتبار الى المفهوم العالمي الذي يحدد الوطن بوجود شعب مكوّن من أفراد قاموا بعقد اجتماعي فيما بينهم وارتضوا العيش معًا ضمن اقليم معين، ما يسمح بإحلال الانتماء الوطني مكان الانتماء الطائفي، مع الابقاء على حرية الايمان والتدين.
2- اعتبار الانسان اللبناني قيمة بحد ذاته بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي أو الجنسي أو الاثني أو غيره. وهكذا يكون كل انسان، هو القيمة المطلقة بالنسبة للدولة ومؤسساتها وللدين ومؤسساته، ولا يستمد قيمته من الوسيط الديني أو حتى الوسيط المدني.
3- تحرير الطوائف من الطائفية، وتحرير الدين من التصورات الخاطئة عن الله التي يبثّها المتكلمون باسم الطوائف لأجل استمرارية وجودهم، والادعاء بقدسية السلطة لعدم انتقادها.
4- تحرير الله من ادعاءات التكلم باسمه وممارسة العنف باسمه ومخالفة القانون باسمه....كما وتحرير جماعة المؤمنين من التحالفات المشبوهة التي تقيمها الاحزاب من أجل الوصول الى السلطة باسمهم.
5- تحرير المواطنية بما تفرضه من مساواة في الحقوق والواجبات من الامتيازات الطائفية التي تجعلها مواطنية ناقصة، حيث لا مساواة فيها بين المواطنين بل تمييزًا فيما بينهم بحسب انتمائهم الديني.
6- استقلالية السياسة عن الدين، واستقلالية الممارسة السياسية عن الانتماء الديني والطائفي، وبالتالي استقلالية هذه الممارسة السياسية عن تدخل الرؤساء الدينيين.
7- تحرير المجتمع من استغلال الحاكم لانتمائه الطائفي سلبًا أو ايجابًا في تسهيل او اعاقة عمل المؤسسات.
8- القدرة على محاسبة الحاكم الفاسد ومحاكمته بدون الخوف من التفاعلات الطائفية وبدون ان يعتبر ذلك مسًا بحقوق الطائفة وتهديدًا وتحديًا لها.
9- تحرير الوظائف من قاعدة (6 و6 مكرر) التي تضرب أسس الكفاءة والجدارة وتخل بمبدأ "الانسان المناسب في المكان المناسب"
10- استقلالية المجتمع المدني عن المجتمع الديني والعكس بالعكس، مع الابقاء على التفاعل بين القيم الانسانية والقيم الدينية على قدم المساواة، فتغتني القيم الانسانية من القيم الدينية والعكس بالعكس.
11- استحداث قانون مدني للأحوال الشخصية، وتعميم الثقافة الدينية والاخلاقية والوطنية بدل التعليم الديني في المؤسسات التربوية كافة.

من خلال هذه الدولة فقط، نستطيع أن نحلم... نحلم بوطن لأولادنا.




--
--------------------------
laila Nicolas/ Rahbany
+9613589871

1 comment:

بنجامين گير said...

أدعوكم إلى قراءة ملخص لمجموعة من الدراسات العلمية عن المواطنة والدين والدولة القومية في عدة بلدان بما فيها لبنان.