Thursday, December 31, 2009

الطعن الكتائبي... لإحراج القوات؟

ليلى نقولا الرحباني

قرر حزب الكتائب الطعن بالبند السادس من البيان الوزاري، وعقد الرئيس الاسبق أمين الجميل مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه نيتهم هذه، بحضور نواب الكتائب. ويتبيّن من تبريرات الجميل ردًا على اسئلة الصحفيين أنه يدرك أن الطعن هو مجرد كلام سياسي وإعلامي ولن يؤدي الى أي مكان قانونيًا. لقد أجمع القانونيون والفقهاء الدستوريون على أن المجلس الدستوري سيرد الطعن شكلاً لعدم الصلاحية، هذا في ما لو استطاعت الكتائب أصلاً أن تجمع عشرة تواقيع لأعضاء من مجلس النواب، كما تنص المادة 19 من الدستور اللبناني التي أنشأت هذا المجلس والتي تقول: "ينشأ مجلس دستوري لمراقبة دستورية القوانين وبتّ النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية. يعود حق مراجعة هذا المجلس في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء أو إلى عشرة أعضاء من مجلس النواب.....".

وفي مراقبة التصرف الكتائبي منذ فترة إعداد البيان الوزاري ولغاية إعلان التوجه نحو الطعن، نلاحظ أن الكتائبيين اشتركوا مع وزراء القوات اللبنانية وبعض الوزراء الآخرين في لجنة صياغة البيان في التحفظ عن الفقرة السادسة التي يطعن فيها الجميل الآن. لكننا نجد أن التحفظ الكلامي والضجيج المفتعل لم يؤدِ الى "حجب الثقة" أو التحفظ خلال منح الثقة كما وعد هؤلاء قبل جلسات الثقة... بالمقابل، حصلت الحكومة العتيدة وبيانها الوزاري على "ثقة غير مسبوقة كمًا ونوعًا"، ومنح الكتائبيون - كما سواهم- الثقة لحكومة الرئيس سعد الحريري على أساس بيان وزاري يتضمن البند "المشكوك بشرعيته" من قبل الكتائبيين اليوم.

إذًا، وبعد هذه المراجعة للمواقف الكتائبية المتأرجحة، يمكن القول إن للكتائب أهدافًا سياسية من هذا الاعلان عن الطعن، بتوقيته وخلفياته. وقد يكون "إحراج القوات اللبنانية سياسيًا وشعبيًا" من أهم الاهداف الكتائبية السياسية المبتغاة، بالاضافة الى أهداف أخرى لا تقل عنه أهمية.

كما هو معلوم، تتقاطع القواعد الكتائبية والقواتية في كثير من المواقف السياسية، وأهمها الموقف من المقاومة ومن حزب الله. كما تتقاطع مواقف سياسييهم في التعبير عن نفس الهواجس والتمنيات ولو بعبارات مختلفة، كما سار الاثنان بخيار "التحفظ" خلال لجنة صياغة البيان الوزاري ولو بتعابير مختلفة أيضًا، ولكنها تحمل نفس المضمون، وأدّت الى النتيجة نفسها بالطبع. لذا، يأتي الطرح الكتائبي اليوم، ليضع القوات اللبنانية في إحراج سياسي كبير، وذلك من خلال توقيع كتلة القوات على الطعن او عدمه.

لقد وضع أمين الجميل القوات اللبنانية أمام خيارين صعبين:

- الخيار الاول: التوقيع على الطعن الكتائبي:

بالطبع، تستطيع كتلة القوات اللبنانية بعد أن تضخّم عددها باستقطاب نواب "زحلة بالقلب"، أن تؤمّن مع الكتائب اللبنانية التواقيع العشرة المطلوبة للسير بالطعن وايصاله الى المجلس الدستوري. لكن الاسئلة البديهية والمحقّة التي ستطرحها القوات على نفسها قبل التوقيع تتجلى في:

هل يجب على القوات اللبنانية أن توقّع الطعن بالرغم من معرفتها أنه لن يؤدي الى أي مكان؟ وهل تتحمل القوات السير بهذا المشروع الكتائبي الذي سيحرجها ويوتّر علاقتها مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو الذي تدين له القوات بهذا الحجم النيابي والحكومي؟ وهل تتحمل تداعيات هذا التوقيع السياسي، تداعيات ليس أقلها مطالبتها بسحب وزرائها من الحكومة بما أنها تطعن ببيانها الوزاري؟

- أما الخيار الثاني فهو ببساطة، عدم السير بالمشروع الكتائبي بالطعن. لكن لهذا الخيار احراجه السياسي أيضًا:

في حال اختارت القوات اللبنانية أن لا توقّّع وأن لا تسير بهذا المشروع الكتائبي "الاعلامي" لعلمها أنه لن يؤدي الى اي ربح سياسي لها، فهو طرح كتائبي المصدر والثمار السياسية المفترض جنيها من السير بطعن كهذا ستكون كتائبية بالتأكيد.

لكن لن تسلم القوات اللبنانية في رفضها السير بهذا المشروع من تداعيات سياسية أيضًا، لان الرفض القواتي سيؤدي الى إحراجها أمام جمهور 14 آذار بشكل عام، والجمهور المشترك القواتي الكتائبي بشكل خاص. إذ لطالما أعلنت القوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع أنفسهم "رأس حربة" في مواجهة حزب الله والمقاومة، بل وخاضوا الانتخابات تحت هذه العناوين بالذات. فكيف ستبدو أمام هذا الجمهور الذي سيقول له الكتائبيون انه "كان للطعن حظوظه، ولكن القوات عطلتها بعدم تبنيها المشروع"، وخاصة أن كتلة الكتائب النيابية وحدها لا تستطيع السير فيه منفردة لانها لا تملك عشرة نواب في المجلس... وهكذا ستُظهر الكتائب نفسها، أنها باتت الطرف "الوحيد" المؤتمن على ثورة الارز وعلى خياراتها الاستراتيجية، وإنها الطرف الوحيد من قوى 14 آذار الذي ما زال يحتفظ بالشعارات التي انتُخب على أساسها.

بلا شك، يحاول الكتائبيون اليوم أن يضربوا "ضربة معلم"، ينتقمون فيها من حلفائهم لتخليهم عنهم في معظم المراحل الأساسية التي مر فيها لبنان وأهمها تشكيل الحكومة. ولكن، الرصاص الكتائبي سيبدو بعد فترة، كالرصاص الابتهاجي الذي تعوّد عليه اللبنانيون في الفترات السابقة، رصاص يصيب بعض الاشخاص، ولكنه لا يؤدي الى أي ربح، وتبقى الفائدة اليتيمة منه قول مطلقه "نحن ما زلنا موجودين ونستطيع إثارة الضجيج".






Powered by ScribeFire.

No comments: