Tuesday, May 11, 2010

«جمهورية» بلدية بيروت المفقودة

باريس ــ عمر نشّابة
يبدو أن الانتخابات في بيروت خصوصاً، ساهمت في تدمير ما بقي من «الجمهورية»، ليس عبر التصويت لمرشحين معينين أو بسبب نسبة الاقتراع المتدنّية، بل بفضل قصور المسؤولية الديموقراطية للناخبين والمرشحين ومن خلفهم. ومن الصعب فصل ذلك عن تداعيات تعطيل الإصلاحات التي كان يفترض إدخالها على القانون عبر اعتماد النسبية. لكن إذا أردنا التعمّق في دراسة الخلل الديموقراطي، فلا بدّ من مراجعة الأسس التي تُبنى عليها «الجمهورية».
علّقت بلدية باريس مئات اللوحات في شوارعها تذكّر بمقاومين استشهدوا دفاعاً عن مدينتهم. فهنا، سقط شاب مجهول نصب كميناً لدورية ألمانية. وهناك، استشهد آخرون في مواجهة بطولية بوجه أكبر قوّة عسكرية آنذاك. استدعت تلك اللوحات أمس انتباه زوار المدينة بعدما زيّنتها البلدية بالورود في الذكرى الـ56 لاندحار الغزاة. وبذلك كرّست المدينة عبر بلديتها وفاءها للمقاومة التي حافظت على كرامتها بوجه الاحتلال و«الأكثرية البيتانية». فالأكثرية الفرنسية فضّلت يومها «حبّ الحياة» راكعة على دفع ثمن الكرامة.
لكن النهج المقاوم يذهب أبعد من الرمزية الرومنسية إلى حدّ صناعة الجمهورية على أسس راسخة بوطنيتها وولائها لكرامة أبنائها. إذ لم تكتفِ المقاومة بافتخار شعبها بالتحرّر، بل أرادت خدمة المواطنين، فبنت قيادات المقاومة الفرنسية المؤسسات ووجّهتها نحو التطوّر، وعمّمت فيها الروح النضالية. ومن خلال نظام المساءلة والمحاسبة، وتكريس السلطة لمُثُل المقاومة الشعبية العليا، وسط صرخات النشيد الوطني الداعي إلى التمسّك بسلاح المواطنين، انطلق مشروع بناء الجمهورية الفرنسية الحديثة.
أما في لبنان، فلا عجب من فشل بناء الجمهورية منذ تحرير العاصمة عام 1982. فبدل أن يمسك المقاومون بزمام الأمور، تولّت «لعبة الأمم» إدارة البلاد. وفي مطلع التسعينيات أدخلت بدعة بناء الدولة بواسطة رأسمالية استقدمت من مملكة أقلّ ما يقال فيها إنها لا تعير القيم الديموقراطية أي اعتبار. ونجحت حكومات ما بعد الطائف بإعادة بناء المطار والطرق والسرايا، وإعادة هيكلة بعض المؤسسات ومكننتها، لكنها فشلت في إطلاق الجمهورية بسبب غياب المرجعية الوطنية الجامعة التي لا يمكن أن تقتصر على المال والعصبية الطائفية.




Powered by ScribeFire.

No comments: