Sunday, February 20, 2011

As-Safir Newspaper - غياث عبدالله اليافي : رسالة مفتوحة إلى الرئيس سعد الحريري

As-Safir Newspaper - غياث عبدالله اليافي : رسالة مفتوحة إلى الرئيس سعد الحريري
رسالة مفتوحة إلى الرئيس سعد الحريري
غياث عبدالله اليافي
دولة الرئيس،
كنت قد توجّهت اليكم برسالة مفتوحة في أول ذكرى لتاريخ مقتل والدكم رحمه الله. في ذلك التاريخ كنتم قد دخلتم حلبة المعترك السياسي مع أغلبية برلمانية كبيرة وزخمٍ شعبيٍ جارفٍ يسمح لكم برسم سياساتٍ إجتماعية واقتصادية تقطع الصلة بالماضي القريب المؤلم وتضع لبنان على سكة التجديد والطموح البناء. في تلك الرسالة ناشدتكم في أن تروجوا «لمشروع لبنان» مستنفرين به كل الشرائح البشرية لاستنهاض بلدنا العزيز كي يستعيد دوره في المنطقة كمنارة لعظمته بدلاً من كآبة ضعفه، حيث يكون الاحترام لحقوق الانسان بدلاً من حقوق القلة، والتعاضد بين الأديان بدلاً من التسامح الزائف، والتكاتف السياسي الإيجابي بدلاً من العزلة المنزوية، والتعليم المتنور بدلاً من الظلامية المستوردة، حيث الانفتاح بدلاً من الانغلاق، وتشجيع المصلحة العامة بدلاً من المصلحة الخاصة، والتحديث والابتكار بدلاً من السير الأعمى وراء المستورد. كتبت كل ذلك بصفتي مواطناً عربياً، لبنانياً، سنياً من أهل بيروت ولشعوري في أن لبنان في ذلك الوقت كان تواقاً لمثل مشروع كهذا.
والآن وقد انقضى خمس سنوات على تلك الرسالة أخاطبكم أولاً كسني بيروتي ومن ثم كلبناني وكعربي. اخاطبكم وأنتم قد تركتم سدة رئاسة مجلس الوزراء مخلفين وراءكم تركة تاريخية ثقيلة ومرة صعبٌ عليّ ألا أعلق عليها. اخاطبكم وفي قلبي غصةٌ لما حل في أهالي بيروت إجمالاً، والسنة خاصةً، وللسياسات الخاطئة التي اتبعت والتي زادت الوطن فرقةً، والطائفة فقراً وقهراً والمواطن عبئاً. اخاطبكم ولبنان في وضعٍ مزرٍ ليس فيه مؤسسات تصلح ولا غيرة على السيادة، يتجول فيه سفراء دول كما لو أنه مزرعة تابعة، يتدخل في شوؤنه القاصي والداني، ولا حياة لمن تنادي من رجال الدولة من أجل لفتة بسيطة لدرء هموم المواطن.
لقد تدهور وضع السني البيروتي الاجتماعي والاقتصادي بشكلٍ مريب في السنوات الأخيرة، وهو تدهورٌ أثر سلباً في نسيجه العائلي ووضعه الاجتماعي وقدرته على العيش الكريم في مدينة أجداده. تراه مجبراً على ترك أزقة وشوارع طفولته ليقطن منازل على سفوح تلالٍ جرداء بعيداً عن أهله أكثر ما يستطيعه هو التأمل عن بعدٍ في مدينته التي لم يبق له منها إلا الذاكرة. تراه قد اختل ميزانه الأخلاقي والديني لما يرى حوله من فساد ومفسدين دون أي رادع ولا محاسب ابتداءً في ما حصل من فظاعات في قلب أكبر مؤسسة دينية سنية وعلى أعلى مستوياتها ومسؤوليها وصولاً إلى إجحاف طائفته بأكملها في صراع مع طائفة أخرى كما لو أننا ما زلنا في العصور الوسطى.
تراه محتاراً أمره أمام تحجيم رئاسة الحكومة وهو المنصب السني السياسي الأعلى لتصبح ملك طائفة إن لم نقل عائلة بدلاً من أن تكون عنوان كل لبنان وأداة ريادة جامعة. لا عجب في مثل حال كهذا أن يطل علينا من ينفخ في صدورنا فكرة طرابلس مدينة ألسنة مع تصفيق لكثير ممن هم حولكم لمثل خطاب كهذا. إنه خطابٌ مأساوي لا يكرم طائفتي ولا يقوّي من حالها بل عكس ذلك فهو يبرهن عن ضعف ما قد وصلت إليه حالنا كما أن لفلفة فساد دار الفتوى يبرهن عن فقدان النخبة السياسية السنية لكل مفاهيم الدراية، حيث تكمن مصلحة الطائفة.
أجل يا دولة الرئيس أشعر أن الطائفة قد أحجمت بمعركة إنما ليست معركتها بل معركة قلة مستفيدة من خيرات هذا البلد العزيز إن لم نقل معركة شخصية وقد خرجت منها الطائفة خاسرة.
أنا كلبناني لا يسعني إلا أن أقول لكم إنكم أدخلتمونا وكل لبنان في لعبة الأمم حيث لا حول لنا ولا قوة. لا أدري من وراء مقتل والدكم رحمه الله وأنا على يقين أن المدبر والمنفذ لا يمتان بلبنان بأي صلة وان لإسرائيل أكثر من دورٍ عابرٍ، لكن أياً كان المسؤول، فلا قرار يعلو القرار الوطني ولا قضية تعلو الوطن بأكمله. للأسف تبدّلت أهداف المحكمة الدولية من صون للعدالة ومعرفة للحقيقة إلى تصفية حسابات بين أطراف خارجية آخر همها مصلحة لبنان وطرف محلي لبناني. في معادلة كهذه أنا أكون دوماً ودائماً إلى جانب إبن بلدي.
أما في ما يتعلق بالسياسة الداخلية، فقد رفعتم شعار المؤسسات وكنا معكم في ذلك حتى أتى وقت محاسبة من تصرف بأكثر من 12 بليون دولار من أموال الدولة دون حسيب ولا رقيب. نراكم تتناسون دور المؤسسات وتغطون أخطاء أناس إن لم نقل أكثر لأنهم ممن هم مقرّب لكم. كيف يمكن للمواطن أن يثق في مؤسساته بعد ذلك وكيف نلوم هؤلاء الكثر الذين لا طموح لهم إلا الهجرة وقد خذلهم من هم قيّمون عليهم.
أما في ما يتعلق بسلاح المقاومة، فلا أدري ما كان هدفكم ودوافعكم في تصديكم لها لكن ليس من شكٍ في أنكم اتبعتم سياسات أججت الحقد الطائفي وأضعفت لبنان أمام عدوٍ غاشمٍ متربصٍ للانقضاض علينا لا رحمة عنده ولا هوادة دون أن تقترحوا بديلاً. إسرائيل لا تفهم إلا منطق القوة وحتى قيام البديل والحق أن ما من رادعٍ لها أفضل من مقاومة أثبتت جهوزيتها واستبسالها دون حساب وأضحت مفخرة لكل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج كما أضحت مثلاً لما هو متاح أمام من له إرادة صلبة ودراية في التخطيط والتنفيذ.
أخيراً وليس آخراً أتوجه لكم كعربي وأقول لكم إن إيران ليست عدوا وسورية أقرب وأكثر من جار. فلنتذكر أولاً أن ثقافتنا العربية ارضيتها إسلامية وعمقها فارسي: من الشيخ الغزالي إلى إبن سينا مروراً بالأئمة الأربعة وإبن المقفع والفارابي كلهم ذو أصلٍ فارسي. كذلك سيبويه واضع قواعد لغة الضاد. كيف تريدني أن أعادي ثقافتي وتاريخي. لا وألف لا، لا يمكن أن أقبل دخول لبنان في سياسة محاور حيث العدو هو أول نظام يغلق سفارة إسرائيل ليفتح سفارة فلسطين بينما الصديق دولة عنصرية، تضطهد أكثر من 6 ملايين فلسطيني، تحتل اراضي لبنانية وسورية وتطمع بالمزيد. هكذا سياسة لا منفعة فيها ولا مردود. بل استطيع أن أقول أكثر: إنها سياسة مجراها ضد التاريخ والجغرافيةـ فالقوى التي تحالفتَ معها في هذا المحور معروف عنها تخليها عن الصديق والحليف دون أي تردد عندما تتغير مصالحها بينما سورية وإيران باقيتان إلى أبد الآبدين: الأولى كجار للبنان معها علاقات قربى وصلة تعود إلى آلاف السنين والثانية كدولة داعمة ومناصرة لقضايا الأمة العادلة حين تخلى عنا الكثر.
نعم يا دولة الرئيس ما زلتم تتمتعون بتأييد شعبي لدى فئات كثيرة وخاصةً عند السنة، رغم النكسة التي منينا بها كطائفة. ولكن الآن وقد خرجتم من الحكم أرجو أن نستفيد جميعاً لتقييم المرحلة الماضية تقييماً موضوعياً بهدف إعادة ترتيب أولويات الطائفة لما هو مصلحة الجميع وليس القلة وتطهيرها من الفساد أينما كان ووضعها على مسارٍ سياسيٍ متجانسٍ مع مصلحتها وتاريخها النضالي والعروبي المناصر لكل القضايا المحقة.
أرجو أن تكون المرحلة القادمة مرحلة إعادة نظر في مَن هو العدو ومَن هو الصديق وإعادة نظر في سياسة لبنان الدفاعية، وذلك من خلال مناقشات في العمق بعيداً عن الأضواء تهدف إلى رص الصفوف أمام عدوٍ لا يقر للقانون قيمة ولا يعرف للطمع بأرزاقنا حدوداً.

No comments: