Tuesday, November 11, 2008

تسريب ورقة عون: أي قنوات؟ لأي حسابات؟ | جريدة الأخبار
تسريب ورقة عون: أي قنوات؟ لأي حسابات؟

جان عزيز
كان مزيجاً من الارتياح والغضب، ما ظهر على وجه ميشال عون، أمس، وهو يرد على منتقدي دراسته عن الاستراتيجية الدفاعية، التي كان قد تقدم بها إلى الجلسة الثانية لطاولة الحوار الوطني، في الخامس من الجاري.
عون، لم يتحدث من قبل عن المسألة، ولم يعبّر إطلاقاً عن كيفية مقاربته لهذه الإشكالية الدقيقة، والتي تمثّلت في تمنّي رئيس الجمهورية عليه، في جلسة الحوار الأولى في 16 أيلول الماضي، وضع الدراسة المذكورة.
غير أن كثيرين نقلوا إليه، منذ ذلك التاريخ، حسابات فريق الأكثرية، ورهاناتهم حيال الموضوع.
أصلاً، ومنذ بيان عمار الحوري الشهير، بترشيح ميشال سليمان في 27 تشرين الثاني 2007، إلى رئاسة الجمهورية، كانت وجوه فريق الأكثرية تلتمع بتلك البسمات المتذاكية، والمحاولة إخفاء مكر سياسي مدّعى.
«من أشقى أمور الدنيا، وقفة معلّم على يد معلّم...» كان يرددها هؤلاء ضاحكين، ملمّحين إلى أن رئاسة سليمان، لا بد أن تقضي على عون، في كل أوراق قوته: المسيحيون وجبل لبنان والجيش و... حزب الله.
غير أن الأمور سارت عكس تلك الرهانات. في 21 أيار الماضي، وقف عون في بهو فندق شيراتون الدوحة، مخاطباً عمرو موسى بصوت عال: هل تأكّد أصدقاؤك الآن يا سعادة الأمين العام؟ هل أدركوا أنّ غايتي كانت الجمهورية، لا رئاسة الجمهورية؟
ضحك موسى كاظماً غير الضحك، وانطلقت الأمور في بيروت من دون أن تصح تنبّؤات «المعلمين».
إلى أن طلب سليمان من عون إعداد دراسة عن الاستراتيجية الدفاعية، فانتعشت الآمال، وعادت الرهانات: لقد قرر ميشال سليمان إحراج ميشال عون، صاروا يهمسون ويرددون، أخيراً وجّه جنرال بعبدا ضربته إلى جنرال الرابية، كانوا يتوقعون: صار عون أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يتقدم بنص مكتوب يرضي حزب الله، وبالتالي غير قابل للتسويق مسيحياً، ما يسمح لرئيس الجمهورية بتسجيل نقطة لمصلحته في سياق إعداده لكتلته النيابية المزعومة...
وإما أن يضع عون دراسة تراعي الحساسيات المسيحية، وبالتالي يصير محرجاً حيال حزب الله، وفي موقع المتباعد عنه على طاولة الحوار، وعشية الاستحقاق الانتخابي.
غير أنّ حسابات الحقل الحريري سقطت مرة جديدة على البيدر العوني. جاء الجنرال إلى بعبدا بدراسة موجزة، تأخذ في الاعتبار كل الأخطار، لكنّها تؤكد في شكل بارز، وبالأسود العريض، أنّ استراتيجيته الدفاعية «تعتمد على مركزية القرار، ولا مركزية التنفيذ».
وكانت المفاجأة في جلسة الحوار، أنّ أيّ اعتراض أو ملاحظة لم تصدر حيال دراسة عون، لا من قبل رئيس الجمهورية، ولا من قبل حزب الله، عندها تيقّن الفريق الحريري، كما الأشخاص المتعاملون مع القضايا الوطنية بزئبقية المصالح الخاصة، أنّ الطلب الرئاسي إلى عون لم يكن بخلفية الفخ، بل انطلاقاً من إدراك عامل الثقة المثلثة، بين بعبدا والرابية وحارة حريك. واكتشف الجميع أن رئيس الجمهورية يراهن على علاقة عون بالحزب، و«الحزب» مطمئن كلياً إلى ما يعلنه الجنرال، والجنرال واضح تماماً في رؤيته للأمور.
عند هذا الحد، سارع الفريق الأكثري إلى تبديل خطته، وإلى اعتماد تكتيكين جديدين: أولاً تسريب ورقة عون، عبر قنوات محددة، تحاول مجدداً إيقاع الشبهة بين بعبدا والرابية، وثانياً الهجوم العنيف على الدراسة، قبل أن تتحول موضع إجماع مثلث بين الرئيس والجنرال و«الحزب».
غير أن التكتيكين المذكورين افتُضحا سريعاً. إذ كانت بضع اتصالات هاتفية كافية لكشف الأول، فيما سقطت انتقادات الحريريين سريعاً في التناقض الداخلي، بين الكلام الموزّع غب الطلب، والبرامج الرئاسية الحريرية السابقة، وما سيأتي، بعد إعادة تعبيد طريق الشام.
ارتاح عون من التكليف، غير أنّ غضبه ظلّ مفهوماً حيال قضية وطنية يُتعامل معها بمنطق الكيدية.


Powered by ScribeFire.

No comments: