Friday, June 26, 2009

From al akhbar

قدرة تنافسية ضعيفة للسيراميك المصنع محلياً (أرشيف ــ بلال جاويش)

إعدام صناعة السيراميك في لبنان

إلغاء الرسم الحمائي هجّر المصنع الوحيد إلى قطر والجزائربلغت صناعة السيراميك في لبنان في السابق مرحلة متقدّمة جداً مع فوز مصنع «يونيسيراميك» بعقد تبليط مترو باريس... وبدلاً من دعم هذا التقدّم، في ظل ارتفاع أسعار النفط، عمدت حكومة فؤاد السنيورة الأولى إلى إلغاء الرسم الجمركي على استيراد هذه السلعة، خدمة لبعض التجّار، ما أدّى إلى إعدام هذه الصناعة وإعلان موتها

محمد وهبة
تراكمت خسائر مصنع «يونيسيراميك» لتبلغ 10.18 ملايين دولار، والسبب هو قرار الحكومة بإلغاء الرسم الحمائي على استيراد البلاط المماثل، بالتزامن مع بلوغ سعر برميل النفط مستوى 100 دولار، أي عندما أصبحت أسعار الطاقة في لبنان توازي أكثر من 30 ضعفاً مما هي عليه في بلدان الخليج، وهذا الواقع أدى إلى إقفال المصنع القائم في البقاع، وصرف مئات العمّال فيه، وتهجيره نحو قطر والجزائر حيث الحوافز وأشكال الدعم المختلفة.
ولم تنفع شكوى الإغراق التي رفعها المصنع في وزارة الاقتصاد، بالاستناد إلى قانون «حماية الإنتاج الوطني» رقم 31 الصادر بتاريخ 8/12/2006، الذي ينصّ على إمكان فرض رسوم حمائية في مواجهة ممارسات الإغراق والدعم وتزايد الواردات... فلم تشفع الشكوى لصاحبها في ظل المصالح الضيقة التي تتحكم بالمعايير التي وضعها مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الوزارة، فقد تم رفض أسباب الشكوى لأن فرض الرسم الحمائي يضايق دولاً مصدّرة للسيراميك وتدعم لبنان، أو بالأحرى أحد الأطراف السياسية فيه، بالمال والدعم السياسي.
في النهاية، اضطرّ مصنع «يونيسراميك» إلى إيقاف كل خطوط الإنتاج لديه في لبنان في نيسان 2008، وأنهى عملية صرف عماله، بعدما فقد الأمل من أي دعم تقدّمه الدولة، إذ بلغت خسائره 15 ألف دولار يومياً، أي ما يوازي 4.5 ملايين دولار سنوياً، وذلك بسبب عجزه عن منافسة بلاط السيراميك المستورد، المدعوم في بلدان المنشأ بما لا يقل عن 73 في المئة من كلفته في لبنان، فتراكمت الخسائر وبلغت حتى نهاية 2008 نحو 10.18 ملايين دولار.
بدأت هذه الخسائر بالظهور في عام 2005 حين بدأت أسعار الطاقة ترتفع باطّراد، وهي تمثّل المكوّن الرئيسي في كلفة الإنتاج في المصنع، إذ تبلغ كلفة الكهرباء والمازوت والغاز نحو 40% من مجمل الكلفة (6 أطنان مازوت يومياً لتشغيل مولّدات الكهرباء، و5 أطنان غاز يومياً لتشغيل الأفران).
لم يكن المصنع قادراً على المنافسة، فاتجه أصحاب المصنع وجمعية الصناعيين في حينه إلى وزير الصناعة الراحل بيار الجميل، أقرّ مجلس الوزراء في أيلول 2006 فرض رسم جمركي حمائي على بلاط السيراميك المستورد بنسبة 20 في المئة، وبما لا يقل عن 3 آلاف ليرة على كل متر مربع مستورد، على أن يتم العمل به لمدّة سنة واحدة قابلة للتجديد، وذلك بهدف رفع الضرر اللاحق بصناعة السيراميك في لبنان، ولا سيما أن هذه الصناعة كانت تستفيد من رسم الحماية سابقاً، فزادت خطوط إنتاجها إلى 4 خطوط بقدرة 15 ألف متر مربع في اليوم، وبالتالي تكبّدت كلفة توظيفات مالية كبيرة.
استطاع «يونيسيراميك» أن يلتقط أنفاسه بعد إعادة فرض الرسم، فاستقرّت الكميات المستوردة في أعوام 2005 و2006 و2007 على ما بين 7.5 و7.8 ملايين متر مربع، وتراجعت خسارة «يونيسيراميك» السنوية إلى 760 ألف دولار، وراهن صاحب المصنع جوزف غرّة على تجديد هذا الرسم لمدة خمس سنوات على الأقل حتى يتمكن مصنعه من النهوض مجدداً.
إلا أن وزير الاقتصاد والتجارة السابق سامي حداد، الذي عُرف بعدائه للصناعة، رفض التجديد بعد نهاية السنة الأولى، بذريعة إلغاء كل ما يعوق تقدّم لبنان في ملف انضمامه إلى منظمة التجارة العالمية، واشتهر يومها بعبارته الشهيرة ردّاً على المطالبين بالحماية أسوة بدول الخليج ومصر «اذهبوا إلى الخليج أو مصر لتنعموا بالدعم»... وجاء قرار حدّاد متزامناً مع صدور قانون حماية الإنتاج، فتقدم غرّة بشكوى من «تزايد في الواردات»، أي إغراق السوق ببضائع منافسة، ولا سيما أن واردات بلاط السيراميك تضاعفت من 7.8 ملايين متر مربع في 2007 إلى 14.1 مليون متر، أي بزيادة 82 في المئة، وأحيل الطلب إلى هيئة التحقيق في وزارة الاقتصاد... وفي 16 آب 2007 صدر قرار وزارة الاقتصاد رقم 45، الذي قرر: «حفظ الشكوى لعدم كفاية الأدلّة على وجود رابطة سببيّة بين التزايد في الواردات المدعى به، والضرر الحاصل للصناعة المحلية».
إلا أن التحقيق الرئيسي كان يجري في مكتب منظمة الأمم المتحدة الإنمائي في وزارة الاقتصاد، وليس في هيئة التحقيق التي تضم المديرين العامين في وزارات الاقتصاد والتجارة والصناعة والجمارك، ولا سيما أن هذا المكتب هو الذي وضع المعايير لتحديد حالات الضرر، فعمد إلى الاستجابة لضغوط سياسية تراعي مصالح بعض التجار المدعومين سياسياً ومصالح دول نافذة في لبنان، وكلّ بذريعة أن هذه المعايير مفروضة من منظمة التجارة العالمية... علماً بأن ملف الشكوى في وزارة الاقتصاد يذكر ثلاثة أسباب أساسية لصدور قرار الحفظ، الذي قبل به وزير الصناعة في الحكومة الأخيرة غازي زعيتر: تقديم أرقام مالية وإنتاجية غير دقيقة من قبل «يونيسراميك»، الشركة التي تدير المصنع تستورد من مصر بعض أنواع السيراميك، هذه الشكوى غير مطابقة لمعايير معينة تعتمدها وزارة الاقتصاد ووضعتها الـ«UNDP».
لكن الواقع، بحسب نديم جوزف غرّة، أن الشركة تستورد بعض أنواع بلاط السيراميك التي لا تُنتج محلياً، فالبلاطة المنتجة لديها اسمها «سنغل فاير تايزر» أي البلاطة التي تحرق مرّة واحدة، والبلاطة المستوردة مختلفة عنها، أما المعايير فهي مخفيّة لدى الوزارة والـ«UNDP» وخلاصتها أنه لا يصحّ وضع رسوم حمائية لأن لبنان سينضم إلى منظمة التجارة العالمية، علماً بأن الدعم موجود لدى مصر ودول الخليج بمسمّيات مختلفة.
تجدر الإشارة إلى أن المصنع تأسس في البقاع بالقرب من منطقة شتورة في 1973 وبدأ ينتج في العام 1975 وذلك على مساحة 42 متر مربع بخط انتاج واحد يبلغ 1500 متر مربع من بلاط السيراميك يومياً، ثم نفذ برنامجاً توسعياً في العام 1993 واستثمر نحو 7.6 ملايين دولار لإضافية خطوط انتاج، وأيار من العام 1996 أدرج أسهمه للتداول العمومي في بورصة بيروت وهي تبلغ 12.870 مليون سهم ويبلغ رأسماله 25.4 مليار ليرة.






Powered by ScribeFire.

No comments: