Saturday, August 22, 2009

ماذا لو نزل الشياطين إلى الشارع؟

from al akhbar.com

ماذا لو نزل الشياطين إلى الشارع؟

ابراهيم الأمين
حتى صمت السياسيين عندنا له ثمن. على الجمهور أن يقلق من الصمت. وعليه أن يقلق أكثر عندما يقررون العودة إلى الكلام. لكن «الكوما» التي تعيشها البلاد سياسياً على مستوى تأليف الحكومة، لا تعكس تفاهماً يريح الناس أو يعطيهم الأمل بما هو أفضل. بل على العكس، فإنّ تعقيدات الرئيس المكلف التي أوصلته إلى الحائط المسدود، ستظل ترخي بظلها على كل المداولات القائمة الآن داخل الغرف المغلقة. ذلك أن الحكومة سوف تبصر النور «أول على آخر» كما يقول المثل. لكنها قد تبصر النور عرجاء لا تقف على قدمين ثابتتين إذا ظل العقل الاستنسابي والاستئثاري مسيطراً على الفريق القابض على قرار سعد الحريري في لبنان وخارجه.
السياحة الرمضانية ستطفو على السطح، ومعها كل عدة الشغل التي تنفخ البطون وتقضي على ما بقي من عقول. والناس سيواصلون النقّ جراء عدم حصولهم على أيّ حل لأي مشكلة يعانون منها قبل الانتخابات وبعدها. لكن هل فكر الشياطين بأشياء تفتح الباب أمام ما هو مختلف:
هل يفكر الشياطين في التسلل إلى منازل كبار المسؤولين والقيادات على اختلاف أنواعها، ويعمدون إلى إتلاف مولدات الكهرباء حتى يضطر هؤلاء إلى البقاء ساعات من دون إنارة؟
هل يفكر الشياطين، بإضراب مع سائقي سيارات الأجرة، فيعمدون إلى تعطيل سياراتهم في الطرقات العامة وعلى الأوتوسترادات ويمنعون بالتحديد كل أصحاب السيارات السوداء من العبور إلى أي مكان حتى تتقرر خطة فعالة للسير؟

اهتمامات الناس لا تشبه جدول أعمال السياسيّين لكن هناك من يقاد إلى الجنّة بسلاسل

هل يفكر الشياطين في احتلال كل محطات الوقود ومنع الناس من شراء الوقود وقطع الطرقات على كل الصهاريج الناقلة، وإقفال الخزانات الكبيرة، ونشر مراكب الصيادين لمنع وصول كميات إضافية، حتى تسحب الحكومة رسومها الإضافية التي تغذي بها رواتب النواب والوزراء ومصاريف الرئاسات وجيش المرافقين الرسميين؟
هل يفكر الشياطين بقلب طاولات المقاهي والمطاعم التي تحتل الأرصفة، ويفتحون الطرقات الموصدة بكتل الباطون في أكثر من مكان في لبنان حتى يدفع هؤلاء الضرائب الحقيقية، وخصوصاً تلك المسحوبة في فواتير الزبائن؟
هل يفكر الشياطين في اعتراض المارّة ونزع هواتفهم الخلوية وتحطيمها ومنع الناس من استخدام هذا الهاتف إلى حين تصليح شبكات الخلوي؟
هل يفكر الشياطين في تدمير كل المنشآت التي أقيمت بغير حق على طول الشاطئ اللبناني، وإزالة كل أنواع الكسارات ومنازل أصحابها؟
هل يفكر الشياطين في محاصرة منازل الرؤساء والوزراء بكل الآثار المسلوبة أو المدمرة أو المهربة من وسط بيروت، وإعادة تجميعها ووضعها في مكانها الأصلي؟
ما الذي سوف يحصل لو أن الشياطين عمدوا إلى تعطيل المرفأ ومنع وصول مستوردات من أصناف معينة إلى الأسواق: هل سيتظاهر اللبنانيون لأن آخر صيحات أجهزة الخلوي لم تصل إليهم. وإذا فعلوا ذلك، فماذا سيحلّ ببقية الناس؟ إذا لم يتح للبنانيين استيراد ورود أو قوالب حلوى أوروبية، وكذلك أصناف الأجبان والبسكويت. فما الذي يحصل؟
هل ينزل اللبنانيون إلى الشوارع ويهدمون كل شيء لأنه لم يُستورد آخر صنف من السيارات الحديثة؟
ماذا لو أجبر اللبنانيون على منع شراء ثياب جديدة هذا العام، أو منعوا من تبديل ساعات اليد الخاصة بهم، أو اضطروا إلى استخدام الياقات نفسها الموجودة من السنة الماضية، أو أن المجوهرات لم تعد قابلة للتبديل لأن السوق مقفل، أو ماذا سيحصل لو فقدت من الأسواق كل مساحيق التجميل ومشتقاتها، وخصوصاً المواد المستخدمة في نفخ الصدور والشفاه...؟
هل سيسير الناس حفاة لو أن الأحذية الأوروبية لم تصل هذه السنة واضطروا إلى شراء المصنوع منها في بنت جبيل أو برج حمود؟
وماذا ستفعل الحانات اللبنانية لو أنها اضطرّت إلى تقديم العرق أو النبيذ اللبناني فقط لأن بقية المشروبات مفقودة من الأسواق؟
هل ستقفل المدارس لغياب آخر صيحات الأقلام والحقائب؟ وماذا سيحلّ بالطلاب إن هم حُرموا هذه السنة من آخر تقنيات المحادثة المفتوحة، وكذلك من النسخ الأصلية أو المقرصنة من ألعاب العنف والسكس؟
أي انتفاضة سوف تشهدها الضواحي وأزقة المدن لو أحرقت كل «الأراكيل» ومنع استيراد الدخان الأجنبي، ولو لسنة؟
أي ثورة ليلية ستقوم لو عمد أحد إلى منع مواطنين من الزعيق يومياً باسم الطرب والغناء؟ وما الذي سيحصل لو ألغيت البرامج السياسية عن محطات التلفزة كلها، وأجبر الجميع على مشاهدة نشرة أخبار واحدة تقتصر على البيانات الخاصة بأحوال السير والطقس والمعاملات الإدارية والقوانين فقط؟
ربما يقال إنه الجنون بعينه، ولكن هل بين كل الذين يتعاطون اليوم الملف الحكومي، داخل لبنان أو خارجه، من يفكرّ بأن الناس يعيشون في هذه الفوضى لأنه لا وجود لدولة عندنا، ولا وجود لأي شيء يشبه الدولة، وإن هناك نحو 500 شخص يديرون كل الحياة عندنا، وهم متفقون في كل شيء، من السياسة والطوائف إلى الاقتصاد والمال الحرام.

عدد السبت ٢٢ آب ٢٠٠٩

No comments: