Thursday, December 24, 2009

اتفاقيات باريس 3 باطلة | جريدة الأخبار
خبراء دستوريون: المخالفة واضحة والطعن ممكن

خلافاً لما ذهبت إليه مقرّرات مجلس الوزراء في جلسته الأولى أول من أمس، فإن الخبراء في الدستور يؤكّدون أن كل اتفاقيات قروض باريس 3 المبرمة مع جهات خارجية، والتعديلات اللاحقة عليها، التي لم يصدّق عليها المجلس النيابي، معرّضة للإبطال، في حال لجوء أيّ متضرر منها إلى الجهة القضائية المختصّة، ويجزمون أن التذرّع بالظروف القاهرة سابقاً لا يبيح استمرار المخالفة بعد زوال هذه الظروف
مخالفة مجلس الوزراء للدستور في جلسته الأولى يوم الاثنين الماضي، أثارت ردود فعل كثيرة، ولا سيّما أن هذه المخالفة «الفاقعة» تؤشّر إلى عدم وجود أيّ تغيير في طريقة إدارة الملفات المثيرة للخلافات بين اللبنانيين.
فقد أجاز مجلس الوزراء، على سبيل التسوية، أي بعد حصول المخالفة فعلياً، تعديل اتفاقية قرض بين لبنان وفرنسا، عبر تمديد مهلة تنفيذ شروطها سنة إضافية، وذلك من دون إحالة مشروع قانون في هذا الشأن على المجلس النيابي، علماً أن الاتفاقية نفسها لم تكن قد أُحيلت على المجلس النيابي عند توقيعها للمرّة الأولى عام 2008، وهذا ما عدّه خبراء في الدستور، استطلعت «الأخبار» آراءهم، بمثابة إمعان في ارتكاب المخالفة الدستورية، إذ إنّ التذرّع بالظروف القاهرة (إقفال المجلس النيابي)، إذا كان صحيحاً حينها، فهو لم يعد جائزاً بعد عودة هذا المجلس إلى ممارسة مهمّاته.
وبحسب هؤلاء الخبراء، فإن الدستور صريح في عدم إجازته للحكومة عقد أي قرض من دون قانون، فكيف إذا كانت اتفاقية القرض تتضمن شروطاً تعاقدية تجعلها بمثابة «معاهدة» بين دولتين، فالدستور، في هذه الحالة، يعطي رئيس الجمهورية وحده صلاحية المفاوضة على عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء، وإذا كانت تنطوي على شروط مالية فلا يمكن إبرامها إلّا بعد موافقة مجلس النواب (نص المادة 52 من الدستور اللبناني).
والمعروف أن اتفاقية القرض بين لبنان وفرنسا تشترط لتنفيذها أن تبيع الحكومة رخص الهاتف الخلوي وأصوله وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، وهذا ما عدّه أكثر من وزير بمثابة شروط إذعان تحدّد للحكومة استراتيجياتها وسياساتها القطاعية ومسار عملها في هذين القطاعين، وهذا ما يدفع إلى المطالبة بوضع كل اتفاقيات باريس 3 موضع البحث مجدداً.

سليم جريصاتي

ويوضح عضو المجلس الدستوري السابق، سليم جريصاتي، أن الدستور اللبناني يتناول المعاهدات الدولية في المادة 52، وبالتالي فإن من يملك حق التفاوض في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها هو رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء، وهذا الأخير مضطر إلى إعلام مجلس النواب بهذه المعاهدة إذا كانت سلامة البلاد ومصلحتها توجبان ذلك، أمّا إذا كانت تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية والمعاهدات، التي لا يمكن فسخها سنة فسنة، أي التي تتجاوز مدة صلاحيتها السنة الواحدة، ففي هذه الحالة، وهو ما ينطبق على اتفاقيات قروض باريس 3 كلها، لا يمكن إبرام الاتفاقيات إلا بعد موافقة مجلس النواب، وبالتالي إذا أخذ مجلس الوزراء قراراً يتعلق بالمعاهدات الدولية، التي تدخل فيها هذه الشروط، ولم تنل بعد موافقة مجلس النواب، يعدّ القرار في غير موقعه القانوني، لكون المعاهدات لم تصبح مبرمة بعد.
ويقول جريصاتي «إذا كان المقصود من باريس 3 برنامج مساعدات وهبات للدولة اللبنانية مجرّدة من أيّ ارتباطات متقابلة، يمكن الاكتفاء بقرار في مجلس الوزراء، ولكن ما أفهمه من باريس 3 أنه ليس مجرد برنامج منح وهبات ومساعدات، بل برنامج اقتصادي ومالي، إصلاحي الطابع ومتكامل، ولذلك فهو يكتسب صفة المعاهدة الدولية، التي تنطوي على قروض تتعلق بمالية الدولة، وبالتالي، على هذه المعاهدات أن تمر بمجلس النواب، وقبل ذلك عليها أن تأخذ شكل المعاهدة بين الدولتين المعنيّتين، فيجري بموجبها تنظيم الالتزامات وموجبات وحقوق كل دولة، على أن تعرض على مجلس النواب حكماً.
ويشير جريصاتي إلى أن المخرج الدستوري الوحيد هو الذهاب بهذه المعاهدات إلى مجلس النواب بانتظار إبرامها، وإلّا فإن القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، في ما يتعلق بقروض باريس 3، معرضة للإبطال لدى مجلس شورى الدولة.

حسين حمدان
لا يمكن الحكومة بأيّ شكل من الأشكال أن تبرم قروضاً ترتّب أعباءً على الخزينة العامة

يتفق رئيس ديوان المحاسبة السابق، وعضو المجلس الدستوري السابق، حسين حمدان، مع هذا الرأي، إذ يقول «طبعاً، لا يمكن الحكومة بأيّ شكل من الأشكال أن تبرم قروضاً ترتّب أعباءً على الخزينة العامة من دون موافقة مجلس النواب»، ويستند في رأيه إلى المادة 88 من الدستور، التي تنص بصراحة تامّة على ما حرفيته: «لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهّد يترتب عليه إنفاق من مال الخزانة إلّا بموجب قانون»، ويشرح حمدان كيف تجري عملية التجاوز لهذا النص الصريح، «فما يحصل عملياً، وهذا مخالف للدستور أيضاً، أنّ الحكومات تمرّر نصاً في الموازنات التي تعرضها لنيل موافقة مجلس النواب، يفيد أنه يمكن الحكومة أن تعقد القروض».
إلا أن هذا التجاوز، بحسب حمدان، على الرغم من كونه مخالفاً للدستور، «فهو يصبح نافذاً إذا أُقرّ ولم يُطعن به أمام الجهات المختصة، ولكنه يكون نافذاً لمدة سنة واحدة فقط».
أما عن التذرع بالظروف الاستثنائية والقاهرة، فيوضح حمدان أن «هناك رأياً قانونياً واجتهادات لدى المجلس الدستوري تقول إن الظروف الاستثنائية تجيز الخروج على الدستور، إلّا أن هذا الاستثناء ينشئ شرعية استثنائية لا تنسحب على القاعدة الأساسية، وإذا لم تعد الظروف الاستثنائية موجودة، فلا يجوز استعمال القاعدة الاستثنائية، وهذا يتطلب أن تكون الظروف الاستثنائية لا تزال قائمة لتبرير التعديل الأخير، وإلّا فإنّه يفترض الرجوع إلى مجلس النواب لإبرامه». ويجزم حمدان «أن زيادة مدة القرض أو تمديد مدّته، يرتّب على الخزينة أعباءً جديدة لم تكن ملحوظة وفقاً للمدة الزمنية السابقة، ولذلك لا يمكن إبرام التعديل إلّا بقانون أو باستخدام الظروف الاستثنائية، إذا كانت قائمة، أو بلحظ مادة في قانون الموازنة رغم عدم دستورية هذا الأمر أيضاً».

يوسف سعد الله الخوري

ويرى رئيس مجلس شورى الدولة السابق، يوسف سعد الله الخوري، أنه وفقاً لنص المادة 52 من الدستور «يجب أن يوافق مجلس النواب على اتفاقيات باريس ـــــ3»، إلا أنّ الخوري يشير إلى أن إمكان الطعن بالمعاهدات بحد ذاتها أمر غير ممكن لأنها من الأعمال التي لا تخضع للرقابة، لكن إذا طُبِّقت هذه المعاهدات، وكان لها أنظمة وقوانين تطبيقية، وأحدث تطبيقها ضرراً على أحد ما، فيحقّ له أن يقدّم طعناً بالأنظمة التطبيقية للمعاهدة».

فوزي أبو مراد

ويقول عضو المجلس الدستوري السابق، فوزي أبو مراد، إنه في المبدأ ليس للحكومة أيّ حق في إجراء تعديل للاتفاقيات إذا كانت ترتّب أعباءً على الخزينة، إلّا بموافقة مجلس النواب. ويشير إلى أن الاستعانة بمبدأ الظروف القاهرة يعني أن لا يكون مجلس النواب قادراً على الاجتماع، وهذا غير قائم حالياً.
(الاخبار)




Powered by ScribeFire.

No comments: