Thursday, December 24, 2009

التفاهم بين التيار والاشتراكي... الى أين؟

التفاهم بين التيار والاشتراكي... الى أين؟

ليلى نقولا الرحباني

كان اللقاء الذي جمع العماد عون بالنائب وليد جنبلاط، خطوة مهمة وتأسيسية لمصالحة بين أبناء الجبل، وخطوة في سبيل عودة المهجرين الى الجبل بكرامة وطمأنينة. ولعل ما صرّح به الاثنان بعد اللقاء  والاهمية التي بنياها على اللقاء وعلى ما سيتبعه من لقاءات على مستويات عدة، أشّر الى الرغبة الحقيقية في طي صفحة قديمة وإرث من الخصومة السياسية زادتها حدة مسألة مهجري الجبل والجرح النازف فيه منذ ما يقارب ثلاثة عقود من الهجرة الداخلية وأوضاع مأساوية عاشها الجبل في ثمانينات القرن الماضي.
لقد كان اللقاء بحد ذاته مهمًا لاعلان بداية فصل جديد في مرحلة تاريخية، وفتح مرحلة ثابتة من الإستقرار وإعادة قواعد العيش المشترك في الجبل الى طبيعتها الاساسية، فالخطأ التاريخي يجب ان يزول ويجب أن تعود الحياة الطبيعية الى الجبل.

أما الآن فيتردد في بعض الاوساط الاعلامية والسياسية أن توجهًا ما نحو عقد "تفاهم سياسي" بين التيار الوطني الحر والاشتراكي يتم تحضيره، وان القيّمين يسعون الى تفاهم يتخطى بعناوينه ومضمونه المصالحة في الجبل وعودة المهجرين الى لقاء حول ثوابت سياسية وخيارات استراتيجية يتوج بتوقيع "وثيقة تفاهم" بين الاثنين تشبه وثيقة التفاهم الموقعة بين التيار وحزب الله.

بداية، ان اي تفاهم سياسي بين طرفين لبنانيين هو "أمر مبارك"، وهي عبارة استعملها الزعيم وليد جنبلاط لوصف لقائه بالعماد عون في بعبدا. ولكن، يبقى هناك بعض المحاذير التي يجب الانتباه اليها وعدم السعي الى تفاهم سياسي بسرعة أملاً في صورة سينتجها واعلام واعلان يرافقه.

كان للتيار الوطني الحر تجارب في السعي نحو تفاهمات سياسية مع أفرقاء عدة في الوطن، منها ما تمّ ومنها ما لم يبصر النور بسبب عراقيل تمّ وضعها في اللحظات الاخيرة كالتفاهم الذي كان سيحصل مع حزب الكتائب والذي تعرقل في مراحله الاخيرة قبل الاعلان. أما بالنسبة للتفاهمات التي تمّت وأعلن عنها، فكان هناك تفاهمان، التفاهم بين التيار الوطني وحزب الله والذي يستكمل في شباط القادم عامه الرابع، والتفاهم مع الحزب الشيوعي والذي استكمل في السابع من كانون الاول الجاري عامه الثالث.

بالنسبة للتفاهم الاول، بات من المؤكد انه خرج من الاطار الفوقي للعلاقة ودخل في وجدان كل منتمٍ الى الطرفين وبات من المسلّم به أن التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله عصي على الاختراق او النقض مهما كانت الظروف السياسية، بدليل الأزمات التي وقع فيها، وأهمها حرب تموز، ولم يتأثر ولم يهتز.

أما التفاهم مع الشيوعي والذي أعلن في ساحة اعتصام المعارضة، فلم  يستطع الخروج من سور الاعتصام، ولم يتخطى احتفال الاعلان عنه، بدليل الكلام القاسي الذي ساقه الدكتور خالد حدادة في أكثر من مناسبة بحق التيار، وخياراته السياسية. الواقع، ما أن جفّ حبر كتابة الأسطر وتلاشى صدى قراءتها في الساحة، حتى دخلت «الوثيقة» طي النسيان، حتى إن بعض المسؤولين في الحزبين يستغربون وجود تفاهم كهذا عند سؤالهم عنه.
على ما يبدو، ان التفاهم مع الشيوعي لم يكن مدروسًا بما فيه الكفاية، أو أن أصحابه اكتفوا بالصورة بدون البناء عليه لتطوير علاقات أقوى بين القاعدتين، لذلك تحوّل الى نقطة ضعف في علاقة الطرفين بدل أن يكون نقطة قوة ووصل جسور الثقة المتبادلة.
وتأسيسًا على التجربتين الماضيتين، قد يفيد بمكان مقارنة "التفاهم" المنوي عقده مع الاشتراكي مع الوثيقتين المبرمتين لمعرفة مصيره منذ البداية.
-       بالنسبة لمناصري الطرفين، يسود عقود من الخصومة السياسية بين التيار الوطني الحر والتقدمي الاشتراكي، وبالرغم من أن النائب وليد جنبلاط قد اختار لنفسه حاليًا مكانًا وسطيًا في التموضع، إلا أن مناصري الاشتراكي ما زالوا  أقرب الى توجهات 14 آذار، مؤمنين بخيارات "ثورة الارز" وهو ما نلاحظه في الندوات السياسية وفي الجامعات وفي آراء الطلاب المنتمين اليه.
ونلفت في هذا المجال، الى التصريحات المتناقضة بين الطرفين، فبينما يؤكد مسؤولي التيار قرب التوصل الى وثيقة كالتي وقعت بين التيار وحزب الله، يبدو الاشتراكيون متريثين، ويصدر تصريح مناقض تمامًا على لسان أحد المسؤولين في الاشتراكي يقول فيه: " لم يتطرق الاجتماع مع التيار الى الحديث عن أي وثيقة التفاهم كالتي حصلت بين التيار الوطني الحر وحزب الله، انما ما حصل هو مجرد عرض لمجموعة أفكار بهدف تبلورها في ورقة عمل ستتضمن مختلف المواضيع".
-       بالرغم ما هو معروف عن الشيوعي من ثبات على المواقف، قام الشيوعي في أكثر من مناسبة بإدارة ظهره للوثيقة واتهام التيار بالتموضع الطائفي. وعليه، ماذا سيكون عليه موقف الاشتراكي في حال التباين مستقبلاً بين الطرفين على خيارات أساسية في السياسة اللبنانية؟
إن التجربة مع الشيوعي تفيد أن الوثيقة التي وقعت بين الطرفين قد تمّ "سلقها سلقًا"، وكان الاجدى أن لا يكون هناك وثيقة من أن تنوجد ويتم تخطيها في كل لحظة ومناسبة. ولعل عدم وجود وثيقة سابقة مع الشيوعي كان مفيدًا اليوم في بيئة الاسترخاء السائدة، إذ كان من الممكن التأسيس لاطار حواري مع حزب يؤمن كما التيار بالعلمنة، ولكن وجود "الوثيقة – الجثة"، يدفع الى حذر مزدوج من تكرار تجربتها التعيسة.
 
إذًا، بناء على ما تقدم، ومن باب الحرص على نجاح المبادرات الايجابية بين أبناء الوطن الواحد، قد يفيد التريث في توقيع "وثائق" التفاهم السياسية، والاكتفاء بالاطر العملية التي تؤدي الى تسريع عودة المهجرين الى الجبل وهي الاهم، لئلا يؤدي التسرع في "أخذ الصورة التذكارية" الى عرقلة الامرين معًا.
 




Powered by ScribeFire.

No comments: