Saturday, January 09, 2010

بقلم هاني النصولي


باستشهاد الصحافي جبران تويني وسمير قصير ورفاقهما، فقدت حركة 14 آذار بعض رجالها الحقيقيين الذين خاطبوا الشعب بلغة سياسية جلية، تلهب الخواطر وتقدح المشاعر وتؤنس القلوب. فغالبية القادة رحلوا بعدما هوى قلم جبران وجفت دماؤه، ليتبوأ مواقعهم من لا يدركون معنى النضال السياسي او يفقهون ابسط مبادئ الثورة وقواعدها. اذ نلاحظ ولوج "ثورة الارز" في حالة غيبوبة كاملة، بل الاحتضار السريري المهيب!
كان جبران ورفاقه، صوت الثورة المدوي وقسمها الوفي، كون الثوار بطبيعتهم المتمردة والمخلصة والجريئة والساطعة، لا يهادنون ولا يناورون على مبادئ حرية الانسان وسيادة الوطن واستقلال لبنان. اما بعض قادة حركة 14 آذار الذين يفد جلهم من عالم المال والاعمال والمقاولات، فلا صلابة لديهم تؤهلهم لقيادة الثورة، بل المعرفة في ادارة المؤسسات المصرفية والشركات التجارية والمجمعات السكنية. هؤلاء الغارقون دوما في منطق التسويات لتأمين مصالحهم بكل الوسائل الملتوية، نجدهم لا يتورعون عن التضحية بدماء شهدائهم، كما المبادئ والقيم الاساسية لاية قضية. سلوكهم يماثل الى حد بعيد سلوك المستثمرين في الاسواق المالية، حيث لا حدود للمناورة والمتاجرة بالاسهم والعملات بيعا كان ام شراء، متناسين ان لا "ثورة الارز" هي سوق مالية، ولا جماهير 14 آذار اسهم تملكها شركات تجارية!
الناس تسألكم يا دولة الرئيس: لماذا كان العداء المرير لسوريا وشعبها وعروبتها طوال الاعوام الخمسة الماضية، ان كانت دمشق بريئة من تهم الاغتيال؟ وكيف تمكنتم من زيارة سوريا قبل صدور القرار الاتهامي عن المحكمة الدولية؟ وماذا عن الاستنابات القضائية السورية التي شملت الفريق المعاون لكم؟ ولماذا التهجم على سوريا لتدخلها في الشؤون اللبنانية الداخلية، ثم اللجوء اليها ملتمسين مساندتها في تأليف حكومة الوحدة الوطنية وحتى لتأمين انعقادها؟ وكيف تطالبون بنزع سلاح المقاومة في لبنان ثم تؤكدون وحدة الصف العربي في مواجهة اسرائيل؟ وكيف يمكن ان تبقى ثقة جمهور 14 آذار متينة ببعض قادتها الروحيين، حين يشاهدون بأم العين كيف تحجب معالم الجرائم المالية المعيبة؟
خالوا ان الثورات كالسلع الرخيصة تشترى عن الارصفة ثم تباع، غير مدركين ان ثقة الشعوب حين تفقد، تحتاج الى بضعة اجيال كي تعود. لقد داسوا بمواقفهم الملتوية مبادئ الثورة واغصان الارز وجثامين الشهداء. من سيصدق كلامهم بعد اليوم يا ترى؟ من سيجري في التظاهرات خلف وعودهم الفارغة؟ لقد غدروا بالثورة يا جبران، كما طعنوا في الظهر كل شهداء الاستقلال، ثم دفنوا "ثورة الارز" في المقابر الجماعية دون ان يرف لهم اي جفن... حتى دماء الشهداء في بلادنا تزال آثارها بالعناق وبعض القبلات!
كان من واجب الحشود المليونية ان تسأل لماذا قتل الشهيد رفيق الحريري، قبل المطالبة بمعرفة من نفذ الجريمة؟ وهل صحيح ما رواه المحامي كريم بقرادوني في كتابه "صدمة وصمود" ان النائب وليد جنبلاط وآخرين كانوا يراهنون على عدم تسلم الرئيس بشار الاسد الحكم في سوريا وان حكمت الشهابي القريب من النائب جنبلاط وعبد الحليم خدام الذي تربطه علاقة خاصة برفيق الحريري سيقبضان على زمام الامور؟ اضافة الى كون الرئيس رفيق الحريري تمكن من استمالة غازي كنعان في ما بعد.
انها السذاجة السياسية التي اصابت بعض اركان 14 آذار، يوم راهنوا على انهيار نظام الرئيس بشار الاسد عبر الخطب الملتهبة امام الحشود المليونية في ساحة الشهداء، غير مقتنعين بان نظام الرئيس صدام حسين، احتاج الى اجتياح الجيوش الاميركية وتدمير العراق كي يسقط. انها لعبة الامم التي انغمس فيها الشهيد رفيق الحريري ووليد جنبلاط وبعض اركان 14 آذار. لعبة لا رحمة فيها، فاما ان تكون رئيسا في الحكم واما تكون شهيدا في القبر!
لا تقحم لبنان يا دولة الرئيس، في لعبة الامم التي غمرت سياسة والدك الشهيد، فزار دمشق اكثر من مائة وخمسين مرة بين 1992 و2004، بل كان اشبه بوزير خارجيتها. رغم ان معظم اللبنانيين يريدون اجدى العلاقات مع دمشق، فلا شأن لنا بطبيعة النظام السوري بعد ان غادر جيشه لبنان. لقد انتهى الامر بحسب رؤية الجنرال عون. كما ان الشعب السوري له كامل الحق في اختيار النظام السياسي الذي يلائمه اكان بنسبة 99 في المئة او اقل. الا ان ربط "ثورة الارز" بآتون لعبة الامم والصراعات العربية والاقليمية وشهود الزور وعمل المحكمة الدولية البليدة، كلها اخطاء افضت الى احتضار الثورة. فالحشود المليونية التي طالبت بحقها في الحرية والسيادة واستقلال لبنان، حرفت مطالبها لحصار "حزب الله" ولزعزعة النظام السوري، فيما كانت الولايات المتحدة تتكلم بدقة على تغيير سلوك نظام الاسد، لا اكثر ولا اقل. لذلك نجد بعض اركان 14 آذار وتيار المستقبل وآل الحريري ما زالوا يدفعون منذ 7 ايار 2008 ثمن احلامهم غير الواقعية وتطلعاتهم السياسية المستحيلة!
اما انتم يا شهداء "ثورة الارز"... فهل تسمعون اليوم كلام بعض قيادات 14 آذار؟ انهم ينفون دون اي حياء او خجل وقوع اية حالة عداء مع نظام الاسد او مع الشعب السوري، ويصفون ما حصل بأنه اشكالية بسيطة، وان العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري الشقيقين ضرورية لحماية البلدين ومصالحهما المشتركة والعروبة ووحدة الصف العربي في مواجهة اسرائيل والارهاب، وان ما حدث في السنوات الماضية ما هو الا غمامة عابرة في سماء زرقاء صافية. كل شهداء "ثورة الارز" والحشود المليونية اصبحوا الآن بمثابة غمامة عابرة... يا الله لقد شبعنا كذبا، الم يعد في البلد من صدق!
بقلم هاني النصولي




Powered by ScribeFire.

No comments: