Saturday, March 13, 2010

اتفاقية فيلتمان ـ ريفي: تشريع الوصاية الأميركية | جريدة الأخبار
اتفاقية فيلتمان ـ ريفي: تشريع الوصاية الأميركية

يحار المطّلع على نص الاتفاقية بين الحكومتين اللبنانية والأميركية في تحديد أخطر الثغر الأمنية والقانونية والسيادية التي صدّقت عليها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في عام 2007. فهي شرّعت الباب أمام الأميركيين للدخول، ساعة يشاؤون، إلى ملفات المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بذريعة مراقبة حسن تطبيقها. لكن ذروة ما يدعو إلى التوقف عنده تتمثل في وضعها السفارة الأميركية في موقع الوصي على الحكومة اللبنانية، وذلك في الفقرة الثانية من بند «الممتلكات» في خانة «الأحكام القياسية» (صفحة 11 من الاتفاقية)، التي تنص على اعتبار «جميع الممتلكات التي تم تمويلها أو توفيرها إلى الحكومة اللبنانية عملاً بهذا الاتفاق عهدةً تتحمّل هي المسؤولية عنها أمام السفارة الأميركية...».
توقيع الاتفاقية التي تمنح المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي هبة قيمتها 50 مليون دولار أميركي جرى يوم 5 تشرين الأول 2007، ومثّل الطرف الأميركي السفير جيفري فيلتمان، فيما مثّل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الطرف اللبناني بتفويض من الحكومة اللبنانية. وصدّق مجلس الوزراء على الاتفاقية بعد 4 أيام من توقيعها. ويفسّر أحد المعنيين بالاتفاقية نيل الموافقة اللاحقة، لا المسبقة، من مجلس الوزراء بأن الحكومة كانت قد اطّلعت على نص الاتفاقية وكلّفت ريفي التوقيع عليها، وكان من المفترض أن يصدر قرار مسبق في هذا الشأن عن مجلس الوزراء، إلا أن تأخيراً حال دون ذلك، وهو ما أدى إلى صدور قرار لاحق «على سبيل التسوية».
الاعتراضات على الاتفاقية تبدأ بالشكل. فالمادة 52 من الدستور تعطي رئيس الجمهورية حق «عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكّنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب». وفي هذه الاتفاقية، لم يكن لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود أي دور. ولم تنل الحكومة موافقة مجلس النواب، رغم أن مدة تنفيذ الاتفاق تصل إلى 3 سنوات. أما الأعباء المالية التي ترتّبها الاتفاقية على تدريب الضباط، فيرى خبراء دستوريون أنها من ضمن موازنة قوى الأمن الداخلي، وبالتالي، فإن هذه النقطة بالتحديد لا توجب إحالة الاتفاقية على مجلس النواب لنيل موافقته. لكن ثمة نقطة لا يجوز التغاضي عنها، وهي أن الاتفاقية تمنح حصانة للموظفين الأميركيين المرتبطين بتنفيذها، وتجعلهم في مرتبة الدبلوماسيين. وهذا الأمر يعدّ سابقة دستورية في لبنان، بحسب قانونيين، وخاصة أن الحصانة التي يمنحها القانون اللبناني لفئات محددة من اللبنانيين والأجانب، لا يجوز القياس عليها، إذ إن القانون يعدّدها على سبيل الحصر لا المثال.
ويلفت عدد من النواب إلى أن الاتفاقية لم تعقد بعد مفاوضات بين الحكومتين اللبنانية والأميركية، بل هي نصّ أميركي جرى تبنّيه من دون أن يخضع لأي تعديلات طلبها الطرف اللبناني. وتخلو الاتفاقية من أي شرط لبناني يرتبط بمضمون التدريبات أو التجهيزات أو المعدات التي سيتلقاها لبنان بتمويل من الهبة الأميركية.
ونصّ مضمون الاتفاقية على تدريب رجال قوى الأمن الداخلي وإعداد مدربين ومنح المديرية أجهزة ومعدات، وإنشاء شبكة اتصالات، إضافة إلى تجديد عدد من المباني والمرافق الخاصة بالمديرية.
في مضمون الاتفاقية، ثمة ملاحظات أكثر من أن يحصرها هذا النص. فالاتفاقية مبنية على عبارات غامضة وغير محددة، وتنصّ في الصفحة الخامسة منها على اعتماد مناهج التدريب الأميركية، من دون وجود أي تحفّظ لبناني على الجزء المتعلق منها بمكافحة الإرهاب. وتسمح الاتفاقية للحكومة الأميركية بمراقبة الأجهزة والمعدات التي ستسلمها لقوى الأمن الداخلي اللبناني، من خلال «الاحتفاظ بقائمة تسجل فيها جميع الأجهزة والمعدات والسيارات التي وفّرتها الحكومة الأميركية، وبيانات عن كل منها، من شأنها تمكين قوات الأمن الداخلي من تحديد موقع أي منها بناءً على طلب يرد إليها من الحكومة الأميركية»، إضافة إلى «السماح للحكومة الأميركية بالوصول إلى الأجهزة والمعدات دون أي عوائق أو قيود من أجل معاينتها والتحقّق من صلاحيتها للاستخدام ومن أن مستخدميها هم الأفراد ذاتهم الذين تسلّموها من الحكومة الأميركية».
وهذه الفقرات من الاتفاقية لا تحدد الجهة الأميركية المخولة الاطلاع على مكان هذه الأجهزة، بل تترك الباب مفتوحاً أمام الأميركيين لإرسال مراقبين من أي جهاز أمني أميركي (الشرطة الفدرالية أو الاستخبارات المركزية مثلاً) للوصول إلى هذه المعدات بعد وضعها في الخدمة العملية. والأكثر حساسية في هذا الإطار هو أن الهبة الأميركية تتضمن إنشاء شبكة اتصالات متطورة خاصة بقوى الأمن الداخلي، مع السماح للأميركيين بالتدقيق فيها ساعة يشاؤون بعد تشغيلها.
إضافة إلى ذلك، فإن الطرف الأميركي لا يثق بقدرة المديرية على ترشيح أفراد للخضوع للتدريب، إذ إن المتدربين اللبنانيين مجبرون على توقيع «إقرار بشأن الجرائم المتصلة بالمخدرات والاتجار بالمخدرات» (مرفق بالاتفاقية) إلى الجانب الأميركي، بعد أن ترشحهم المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. كذلك، ثمة شرط في الاتفاقية يمكن أن يمثّل تناقضاً مع قانون قوى الأمن الداخلي، لناحية نظام التقاعد. فالاتفاق يلزم المديرية بعدم صرف أي من المتدربين خلال السنتين اللاحقتين لانتهاء التدريب




Powered by ScribeFire.

No comments: