Thursday, March 11, 2010

تنصّت السفارة: لجنة تقنيّة لتحديد «الضرر الأمني» | جريدة الأخبار
تنصّت السفارة: لجنة تقنيّة لتحديد «الضرر الأمني»

تستمر لجنة الإعلام والاتصالات النيابية في مناقشة طلب السفارة الأميركية تحديد مواقع أجهزة إرسال الهاتف الخلوي في لبنان. ووسط إصرار عدد كبير من النواب على المضي في الملف حتى نهايته، تشعّبت القضية إلى عناوين إضافيّة تبشّر بمخاض طويل، محورها الجديد هو الاتفاقية الأميركية اللبنانية الموقّعة عام 2007

حسن عليق
«تتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية أمام السفارة الأميركية». هذه العبارة ليست اتهاماً سياسياً من أحد المعارضين للحكومة، بل هي جزء من اتفاقية صدّقت عليها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2007. وهذه الاتفاقية وقّعت على عجل بين الحكومتين الأميركية واللبنانية، من دون عرضها على مجلس النواب، رغم كونها تشترط على الطرف اللبناني التزامات مالية، فضلاً عن منحها الحصانة لعدد من الموظفين الأميركيين أثناء عملهم على الأراضي اللبنانية، علماً بأنهم ليسوا دبلوماسيين.
نص الاتفاقية وُزّع أمس على أعضاء لجنة الاتصالات النيابية، الذين عقدوا اجتماعاً لاستكمال البحث في حيثيات الكتاب الذي كانت السفارة الأميركية قد أرسلته إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، والذي طلبت فيه تزويدها بتفاصيل توزّع أجهزة إرسال بث الهاتف الخلوي المنتشرة على الأراضي اللبنانية. ولأن عدد صفحات الاتفاقية وملحقاتها والكتاب الأميركي يزيد على 70 صفحة، قررت لجنة الاتصالات إرجاء البحث في تفاصيلها إلى الأسبوع المقبل، تمهيداً لدراستها تفصيلياً، وخاصة لناحية مدى التغطية القانونية التي يمنحها الاتفاق للطلب الأميركي. لكن التباشير الأولى توحي أن النقاش سيتشعب في أكثر من اتجاه، وخاصة أن مضمون الاتفاق حمّال أوجه. ففي جلسة أمس، وبعد قراءة سريعة للصفحات الأولى للاتفاق، توقف عدد من نواب المعارضة السابقة أمام المقدمة السياسية للاتفاق، إضافة إلى تدخله في أكثر من خانة في تصنيف اللبنانيين. ففي أكثر من موضع، وضمن ما «يتعين على الحكومة اللبنانية القيام به»، تنص الاتفاقية على «التحقق على نحو سليم من أن جميع أفراد قوات الأمن الداخلي الذين يتلقون التدريب لا ينتمون بأي شكل من الأشكال إلى أي منظمة تعدّها الحكومة الأميركية إرهابية، أو أن أياً منهم ارتكب أعمالاً تنتهك فيها حقوق الإنسان».
وهذه الفقرة تتطور في موضع لاحق من الاتفاقية إلى «التحقق بما هو مناسب من عدم وجود أية صلة على الإطلاق بين أي من المنتسبين إلى قوات الأمن الداخلي الذين يتلقون الأجهزة والمعدات، والمنظمات التي تعدّها الحكومة الأميركية إرهابية، وتقديم الضمانات التي تؤكد ذلك، وعدم قيام أي منهم بأي عمل فيه انتهاك لحقوق الإنسان». الحكومة اللبنانية معنية إذاً بتقديم براءة ذمة من «أية صلة» بين رجال الأمن اللبنانيين، والمقاومة. و«أي صلة» عبارة فضفاضة، تبدأ بالصلة العائلية ولا تنتهي عند التأييد. ومن غير المعلوم كيف تمكنت الحكومة اللبنانية من تقديم الإثباتات المطلوبة منها، ذلك أن الحكومة الأميركية تعدّ المقاومة في لبنان منظمة إرهابية.
النائب نواف الموسوي أثار هذا الأمر في الجلسة، فرد عليه النائب عقاب صقر قائلاً إن هذه الصيغة تعتمدها الحكومات الأميركية في كل الهبات التي تقدمها لأي طرف في لبنان، و«بينها بلديات يرأسها مؤيدون لحزب الله»، فردّ الموسوي بأن هذا الأمر غير مقبول «أياً كان من وافق عليه»، ودعا إلى إعادة النظر في كل اتفاقات الهبات المقدمة من الأميركيين. وهنا تدخل نائب القوات اللبنانية، أنطوان زهرا، ليشير إلى أن لبنان بحاجة إلى المساعدات المالية الخارجية، وبينها الأميركية. ولفت زهرا إلى ضرورة الابتعاد عن تخوين المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي التي تجهد في «كشف شبكات التجسس والمجموعات الإرهابية»، منتقداً طريقة تعامل الإعلام مع القضية، التي أدت إلى إظهار قوى الأمن الداخلي كمتورطة في فعل خياني.
ورد النائب أيوب حميد سائلاً عن سبب تحميل الإعلام المسؤولية، فيما هو يكتفي بالإشارة إلى وقائع ليس أكثر.
أما الموسوي فأكد أن البحث لا يرتبط بتخوين أحد، مشدداً على التعامل بإيجابية قصوى مع المديرية انطلاقاً من الالتزام بحكومة الوحدة الوطنية. لكنه شدد على أن الطلب الأميركي «مسألة ترتبط بالأمن القومي اللبناني». وشرح جملته الأخيرة بالقول إن نائب الرئيس الأميركي، جو بادين، أكد أول من أمس التلازم بين الأمن الأميركي والأمن الإسرائيلي. ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، كانت قد وقعت اتفاقاً ينص على تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل عقب العدوان على غزة. وبناءً على ذلك، فإن العمل الأمني الأميركي في لبنان هو عمل إسرائيلي، ولحساب الإسرائيلي، من هنا خطورة الطلب الأميركي.
وخلال الجلسة، أعاد بعض نواب 14 آذار التشديد على أن ما طلبه الأميركيون من قوى الأمن الداخلي يمكن الحصول عليه من الإنترنت. وإذا كان الاتهام بأن السفارة الأميركية تطلبه لأهداف استخبارية، فإن «الاستخبارات الأميركية تستطيع الحصول على المعلومات المطلوبة من أكثر من مصدر». ورداً على ذلك، قال النائب علي عمار: إذا كان الحصول على المعلومات ممكناً بهذه السهولة، فلماذا طلبتها السفارة الأميركية من قوى الأمن الداخلي؟
وقال وزير الداخلية زياد بارود إن «ما نقوم به اليوم هو الإطار الصحيح. ونحن نحترم هذا الإجراء. وعندما صدرت عن اللواء ريفي إشارة إلى أنه لا يريد حضور الجلسة، عدنا وأكدنا أننا نلتزم القوانين والمثول أمام اللجان النيابية، وإحضار المستندات المطلوبة. وما أرجوه هو حصر النقاش بالملف وعدم إظهار وجود استهداف لقوى الأمن الداخلي». وعندما ذكر ريفي في معرض رده على أسئلة عدد من النواب أن الهبة الأميركية إلى قوى الأمن الداخلي تبلغ 50 مليون دولار، فيما الهبة التي حصل عليها الجيش تفوق 260 مليون دولار، لفت بارود إلى ضرورة عدم «استغابة الجيش اللبناني»، داعياً إلى حضور ممثلين عن الجيش وتوسيع النقاش في هذا الملف ليشمل لجاناً نيابية أخرى (كالخارجية والدفاع والداخلية)، أو أن يبحث الملف في الحكومة. فرد رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله بالقول إن النقاش يتمحور في اللجنة حول ما ورد في صحيفة «السفير» عن الطلب الأميركي.
الحكومة اللبنانية معنية بتقديم براءة ذمة من «أية صلة» بين رجال الأمن والمقاومة

هناك وزير يقول إن الاتفاق يمسّ الأمن الوطني، والمدير العام للأمن الداخلي يقول العكس

وبعدما رفع النائب غازي زعيتر صوته معترضاً على الاتفاقية التي يشير إقرارها إلى أن لبنان بلا حكومة وبلا مجلس وبلا رئاسات، طلب النواب الحاضرون، وبينهم نواب «المستقبل» و«القوات» منح فرصة لدرس الاتفاقية والمستندات التي قدمتها وزارة الداخلية أمس، واتُّفق على عقد جلسة يوم الخميس المقبل.
وقد أصدرت اللجنة توصية إلى وزارة الاتصالات لتأليف لجنة تقنية تقدم تقريراً عن مضمون الطلب الأميركي وماهيته وسبل استخدام مضمونه وما إذا كان حقاً سيستخدم للتدريب، أو أن في الطلب نيات أمنية مبيتة.
وذكر عدد من النواب الذين حضروا الجلسة (فاق عددهم ثلاثين نائباً) أن ممثلَي شركتي الخلوي اللذين حضرا الجلسة إلى جانب المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ريفي أكدا أن الطلب الأميركي لم يُحَل على أي منهما، وأن اتصالاً ورد إلى إحداهما من رئيس مكتب مكافحة المخدرات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي يسأل فيها عن إمكان استجابة الشركة للطلب الأميركي، فكان الرد أن هذا الطلب يجب أن يرد عبر وزارة الاتصالات، وهذا ما كان.
وعقب الجلسة، أشار رئيس اللجنة، النائب فضل الله، إلى أن ثمة «استسهالاً من السفارة الأميركية في التعامل مع الإدارات الرسمية»، لافتاً إلى أن بعض المديرين في وزارة الاتصالات تلقوا طلبات أميركيّة مباشرة «وأصبح معنا مستندات محدّدة زودتنا إياها وزارة الاتصالات، وطلبنا منها المستندات المتعلقة بطلبات السفارة الأميركية. ونشير إلى أن وزارة الاتصالات رفضت طلب السفارة وقالت إنه يفترض أن يمر عبر الطرق القانونية، أي عبر وزارة الخارجية، ويحتاج إلى مجلس الوزراء». أضاف في ما يتعلّق باتفاق قوى الأمن: «هناك وزير يقول في رسالته إن الاتفاق يمسّ الأمن الوطني، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي يقول العكس».




Powered by ScribeFire.

No comments: