Thursday, April 08, 2010

عودة الترويكا: الفساد أولاً، والوصاية لاحقاً؟ | جريدة الأخبار
عودة الترويكا: الفساد أولاً، والوصاية لاحقاً؟

جان عزيز
كما كان متوقعاً، نجحت الترويكا الجديدة في تجديد نفسها، عبر تطيير الإصلاحات المقترحة على قانون الانتخابات البلدية. فالفرصة كانت مثالية لها ولذلك، وخصوصاً أن عنوانها الظاهري هو احترام الاستحقاقات الانتخابية، وعدم تطييرها، وإن كانت خلفياتها الفعلية، حسابات متقاطعة، في وجه ميشال عون تحديداً. لكنها حسابات يمكن تصنيفها ضمن باب المصلحة السياسية المشروعة، أو «الصحيحة سياسياً»:
فرئيس الجمهورية حريص من جهة أولى على عدم «تدنيس» سمعة العهد، عبر إجهاض موعد ديموقراطي تمثيلي. وإن كان من جهة أخرى لا يمانع أن يكون الاستحقاق المرتقب نوعاً من تلميع الصورة التي خلّفها الاستحقاق النيابي. ذلك أن أي نتائج ممكنة، ستكون بالنسبة إلى حلفاء إميل نوفل أفضل مما كانت في حزيران. وتكون بالتالي بالنسبة إلى «بولدوزر» الرابية أقل من تلك... رئيس المجلس النيابي، حساباته ـــــ المشروعة دوماً ـــــ مماثلة. فمن جهة «بيئته الشرعية»، يقدم خطوته في وأد الإصلاحات، باعتبارها لقطع طريق العودة إلى الحياة على أي شيعي غير ملتزم بالثنائية، ولو عضواً بلدياً. أكان أسعدياً، بكل تلويناتهم، أم «إقطاعياً ثقافياً»، كما حلا لدولته مرة أن يصف حبيب صادق، أو حتى حليفاً أحمر اللون، بعد معاناة رفاق سعد الله مزرعاني في الربيع الماضي... لكن خلف تلك الأسباب الموجبة شرعاً، تصادف مجموعة من ضربات الرد لأهداف عونية مسجلة في ساحة النجمة، بدءاً بجزين، وصولاً إلى الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية ـــــ التي سيحاضر فيها الرئيس بري مجدداً، بعد اطمئنانه إلى الاستحقاق البلدي طبعاً ـــــ وخفض سن الاقتراع وإنشاء آلية خاصة للتعيينات الإدارية عبر لجنة مستحدثة... وغيرها من الأفكار الرائدة، التي أجهضتها مواقف عون...
رئيس الحكومة من جهته لم يتحمّس لإمرار الإصلاحات، ولم يستنفر لإسقاطها. تركها على سجية النظام، وخصوصاً بعدما أظهرت هذه أنها توصل المياه إلى طواحينه البيروتية، وبعدها تصير صيدا من باب لزوم ما لا يلزم. وفي الطريق، إذا كان ذلك محطة ليختار ميشال عون، بين أن يكون تحت رحمته في محاصصة في العاصمة، أو أن يخرج منها، فلا ضير عندها من الثأر ممّا مارسه عون عند تأليف الحكومة، يوم تقاطعت كل موازين القوى عند معادلة: إما حكومة بشروط الرابية، وإما لا حكومة... نجحت الترويكا في لعبتها، ومرّرتها بأقل ضجّة ممكنة، حيال إعادة انبعاث هذا المسخ العجيب الذي ولد من رحم عهود الوصاية... السابقة للسابقة. يبقى أمران لا بد من التوقف عندهما:
أولاً أن ثمناً باهظاً قد دفع في تلك اللعبة، ألا وهو الإصلاحات الممكنة، في ظل تخلّف نظامنا السياسي على مستوى الحكم المحلي. وهذه نقطة لا تفهم إلا على ضوء كون بنية البلديات جزءاً من الحوار الميثاقي الدائر في لبنان منذ نصف قرن، لجهة اللامركزية وحقوق الجماعات في إدارة مصالحها الذاتية والمحلية، بطريقة تخفف الضغط والعبء عن السلطة المركزية، بما قد يجنّبها هذا الانفجار الدوري كل بضع سنوات.
ثانياً، الخوف من أن يؤدي إحياء الترويكا إلى عودة كل ملحقاتها، من اهتراء النظام بداية، وانتهاءً بإعادة استدراج الوصاية... وخصوصاً أن البلد يضجّ بإرهاصات قلقة ومقلقة حيال المسألتين. وعلى سبيل المثال، كانت جلسة مجلس الوزراء، أول من أمس، دليلاً ونذيراً. تكفي أمثلة أربعة: ملف الشخص السعودي الذي يريد أن يبيع 1121 عقاراً لبنانياً، على الأرجح من أجانب ـــــ لأن مساحتها تصير تحت السقف الذي يقتضي موافقة مجلس الوزراء ـــــ فيزرع مستوطنة أجنبية كاملة في قلب المتن الشمالي، خلافاً للقانون، ثم يحقق ربحاً غير مشروع قدره أكثر من نصف مليار دولار باعترافه هو، من دون أن يدفع للدولة اللبنانية حتى رسوم البنية التحتية التي يريدون استحداثها لمدينته... ومع ذلك سكت المعنيون حيال الموضوع...
ثانياً ملف شركة سوكلين، التي حاولوا في جلسة الثلاثاء أيضاً إمرار التجديد لها لأربعة أعوام، بالتراضي طبعاً، ومن دون أي تفاوض على الأسعار التي تجنيها. حيث لبنان قد يكون آخر بلد في العالم يدفع على نفاياته عشرات ملايين الدولارات، بدل أن يقبض منها طاقة أو سماداً أو مالاً...
ثالثاً ملف باخرة القمح المتسوّس، التي بات شائعاً أن خلفها شخصاً من آل الحريري، وسط معلومات عن أن ترتيباً يعدّ لإدخالها مجدداً، بعد حسم 150 كيلوغراماً منها، من ضمن فذلكة عجيبة، متروكة لوقت لاحق. فيما الملف الرابع باخرة الأدوية الفاسدة، وخلفها عميل جمركي مليونير، من آل الصيداني (أيّ مصادفة في أسماء العائلات؟) قادر على إخفاء بابور، في منطقة حرة...
كل هذا قابله الصمت في جلسة حكومة الترويكا الجديدة قبل يومين. حتى إن أحد الوزراء قال للمجلس: صرتم بوجهين ولسانين، تقرّون شيئاً هنا، ثم تتنصّلون منه في الخارج... وسكت الجميع... جميل أن يواجه الذنب بالصمت. قد يكون السبيل الوحيد لاستعادة وقار مفقود...




Powered by ScribeFire.

No comments: