Friday, June 18, 2010

Al Akhbar economics



مجلس الوزراء يقرّ الموازنة اليوم: إجهاض محاولات التغيير


الوزيرة ريّا الحسن (هيثم الموسوي)
لم يتسلّم الوزراء، حتى مساء أمس، النسخة المعدّلة من مشروع قانون موازنة عام 2010، علماً بأن الجلسة المقررة عند الثانية من بعد ظهر اليوم مخصصة لإجراء قراءة أخيرة لهذا المشروع، تمهيداً لإحالته على المجلس النيابي في الأسبوع المقبل... فهل تنجح الحكومة في ذلك؟
محمد زبيب
إذا اعتُمد نموذج معيّن لقياس وجهة الجهود المبذولة في إطار مناقشات مشروع موازنة عام 2010، فقد يظهر أن الجهد الأكبر انصبّ على محاولات الإسراع في إقرار المشروع داخل مجلس الوزراء، بما يتجاوز بأشواط بعيدة الجهد المبذول على مناقشة مضمون المشروع نفسه وخياراته وأهدافه... ولولا إصرار وزير الاتصالات شربل نحّاس على إحداث بعض التعديلات الجوهرية خارج إطار «المحاصصات» التي تحصل عادة خارج الجلسات، لكان المشروع قد أُقرّ منذ ثالث أو رابع جلسة، وانتهى الأمر كالعادة: قلّة من الوزراء تعي ماهية الموازنة، وقلة أخرى لا تبحث إلا عن حصصها فيها، وثالثة لا ناقة لها ولا جمل، ورابعة تتفرج كالمغلوب على أمره بانتظار الفرج.
منع التغيير
لم يكن نحّاس واهماً عندما قدّم ورقته «التغييرية» وطرحها للنقاش في ثانية جلسات مناقشة الموازنة... فالخبير، الذي راكم خبرة ومعرفة في السياسة والاقتصاد والشؤون المالية والنقدية، يدرك أن ظروف «التغيير» ليست ناضجة، إلا أنه أراد أن يحقق منذ البداية هدفين متواضعين نظراً لطابعهما «البديهي»، لكن أثرهما كبير جدّاً في ظل الواقع السياسي الراهن وطريقة إدارة السلطة ومركز القرار فيها: أولاً، أن يسعى إلى إعادة الموازنة إلى إطارها الطبيعي، أي باعتبارها الأداة الأساسية لتحقيق سياسات الدولة في شتّى المجالات الحيوية... وثانياً، أن يسعى إلى إقناع القوى غير المتورطة بعد في صياغة النموذج القائم وإدارته بأن المسار الحالي ليس قدراً محتوماً، بل هو خيار تقابله خيارات أخرى ممكنة جدّاً، وبالتالي تمثّل الموازنة الإطار المناسب لطرحها.
بدت البذرة صالحة للوهلة الأولى، لكن سرعان ما أُتلفت عبر تمسّك فريق الرئيس سعد الحريري بمقولة أن الموازنة شيء والسياسات شيء آخر... ولأن هذه المقولة تقوم على أساسات هشّة، اضطر الفريق نفسه إلى استخدام حجّة إقناع لفرض موازنة «محاسبية»، فالسنة المعنية تكاد تنتهي قبل أن يتسنى نشر القانون في الجريدة الرسمية، وهو أمر غير متوقّع قبل أيلول المقبل على أقلّ تقدير.
انطلت الحجّة على الجميع، واضطر نحّاس إلى الرضوخ لها في نهاية الأمر، فقرر أن يخوض المواجهات الصعبة حول المشروع المطروح نفسه، وذلك عبر محاولة فرض احترام الدستور وقانون المحاسبة العمومية، ولا سيما لجهة التمسّك بمبدأ سنوية الموازنة وشموليتها لكل الإنفاق والإيرادات وتحديد سقف للاقتراض بما يوفر الحاجات التمويلية الفعلية، مع هامش يتيح المرونة المطلوبة في التعامل مع الحاجات الطارئة والتطورات غير المحسوبة وتفكيك بعض المواد القانونية التي تنطوي على امتيازات للبعض أو مخالفات أو أنها تتناقض مع مبدأ الانتظام العام.
تحديد سقف الاقتراض
انطلاقاً من ذلك، عقد وزراء حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر اجتماعين لتنسيق الموقف وتحديد سقف هذه المطالب بما يؤدّي إلى إدخال بعض التحسينات إلى المشروع من دون التورّط في تعطيل إقراره... وهذا ما سمح بتجاوز منطق اللعبة التي أرادها فريق الحريري عبر الحث دائماً على الإسراع في إخراج المشروع من مجلس الوزراء، متجاهلاً تجاهلاً تاماً مسؤوليته عن تأخير طرحه خمسة أشهر عن الموعد الذي التزمت به الحكومة في بيانها الوزاري.
يُفترض أن تقدّم وزيرة المال ريا الحسن في جلسة اليوم النسخة المعدّلة من المشروع، وهي أعلنت التزامها بما قرره مجلس الوزراء لجهة إدراج كل النفقات في الموازنة، ما عدا أموال البلديات التي ستُترك لموازنة العام المقبل. إلا أن مبدأ سنوية الموازنة لن يُحترم، وكذلك فإن النسخة المعدّلة لن تتضمن أي تحديد دقيق لسقف الاقتراض بما يتناسب مع الحاجات التمويلية فقط من دون الأهداف الأخرى التي لا تمتّ إلى الموازنة بصلة، ولا علاقة لوزارة المال بتأديتها كامتصاص السيولة على سبيل المثال لا الحصر.
ينوي نحّاس إعادة طرح هذه المسألة مجدداً، وهو يراهن على دعم عدد كبير من الوزراء نظراً لأهميتها برأيه في إعادة الانتظام إلى عمل الدولة ومؤسساتها، إذ لا يجوز أن تكون الأمور مفتوحة إلى هذا الحد وخارج أي رقابة دستورية.
فقد أظهر بيان مصرف لبنان عن وضعه في منتصف الشهر الجاري عودة ودائع القطاع العام لديه إلى الارتفاع بعد تراجع بطيء عن المستوى القياسي الذي بلغته في منتصف آذار الماضي، أي عندما بلغت أكثر من 10115 مليار ليرة، أو ما يعادل 6.7 مليارات دولار، وهي بمعظمها تمثّل الفائض في حساب الخزينة الناجم عن الاستدانة المفرطة بغرض مشاركة مصرف لبنان بمهمة امتصاص السيولة الفائضة لدى القطاع المصرفي والمحافظة على معدّلات الفوائد المرتفعة الجاذبة للودائع والحامية لمستوى ربحية المصارف.
يوجد اليوم أكثر من 8911 ملياراً في حسابات الخزينة لدى مصرف لبنان، أي ما يعادل 5.9 مليارات دولار، تكلّف اللبنانيين نحو 413 مليون دولار سنوياً لخدمتها من دون أن تُستثمر في مجالات مجدية كإعادة بناء البنى التحتية المهترئة، ولا سيما في قطاعات الكهرباء والمياه والنقل العام والصحة والتعليم وصيانة البيئة وغيرها.
ويرفض فريق الحريري حتى الآن أي بحث في هذه المسألة، مشيراً إلى أن تحديد سقف للاقتراض هو بمثابة تقييد لوزارة المال ومسّ بالسياسة النقدية التي لا تقيم أي اعتبار لغير أهدافها أصلاً، والمتمثّلة بتكوين احتياطات ضخمة بالعملات الأجنبية تجاوزت حتى الآن مستوى 30 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي.
لا شك في أن مسألة تحديد سقف الاقتراض ستكون محور النقاش الأساسي في جلسة مجلس الوزراء نظراً لاتصالها بأمور كثيرة، ونظراً لوجود اجتهادات دستورية مختلفة في شأنها، بحسب ما يوضحه عضو المجلس الدستوري السابق سليم جريصاتي، إذ يعتقد أن سقف الاقتراض تحكمه نظريتان: الأولى تقول إن السقف يجب أن يكون منصوصاً عليه ومحدداً في نص الموازنة، ليكون هنالك إجازة تشريعية مكتملة العناصر من مجلس النواب. أما النظرية الثانية، فتقول بعدم تحديد سقف الاقتراض، وبذلك تكون الإجازة التشريعية مبدئية. وهنا، يشير جريصاتي إلى أن الجدل يصبح حول تفصيل القرض أو اعتماد مبدأ إعلان وجود قرض.
ويلفت جريصاتي إلى أن المادة 88 من الدستور اللبناني تنص على أنه «لا يجوز عقد قرض عمومي ولا تعهد يترتب عليه إنفاق من مال الخزينة إلا بموجب قانون»، وهذه المادة لم تتعدل منذ أن وضع الدستور في عام 1926، وهي بالتالي راسخة. لكن هذه المادة تقبل تفسيرين: التفسير الأول يقوم على الإجازة التشريعية المبدئية، والثاني على الإجازة التشريعية المكتملة. ويرى جريصاتي أن هذه المادة ليست جامدة، بل قابلة للتفسير وفق المنظور الأول، أي الإجازة المبدئية في ظل الظروف المالية التي يعيشها لبنان حالياً.
يدلّ كلام جريصاتي على أن الالتزام بالنص الدستوري يفرض بكل الأحوال أن تبلغ الحكومة المجلس النيابي بكل عملية اقتراض مهما كان نوعها إذا تجاوزت حدود الإدارة المكتملة، وبالتالي يصبح من الضروري تعديل المادة المتعلّقة بالإجازة للحكومة بالاقتراض الواردة في المشروع بما يؤمّن هذا الشرط في حال استمرار فريق الحريري برفض مبدأ تحديد سقف الاقتراض.
سرقة عقاريّة موصوفة
لن يقتصر النقاش في النسخة المعدّلة على مسألة تحديد سقف الاقتراض، بل هناك مواد أخرى بقيت عالقة وتحتاج إلى البت. فقد أورد مشروع الموازنة مادتين تسمحان بإعادة تقويم الأصول، بما فيها العقارات، في مقابل خفض الضريبة على الأرباح الناتجة من هذه العملية من معدّل 15% إلى 3%، وهذا يعني تقديم هدية ثمينة للشركات العقارية تقدّر قيمتها بمئات ملايين الدولارات. فشركة «سوليدير»، على سبيل المثال، لا تزال تمتلك نحو 1.9 مليون متر مربع من الأراضي القابلة للبيع أو التطوير، وبعض هذه الأمتار استُملك بأسعار يبلغ متوسطها 600 دولار، فيما البعض الآخر الناجم عن ردم البحر لم تتجاوز كلفته 150 دولاراً. وقد ارتفعت الأسعار بوتيرة خيالية لتبلغ اليوم آلاف الدولارات للمتر الواحد تبعاً لموقعه وطبيعته، ما يعني أن إعادة تقويم أسعار هذه العقارات وتسجيلها في ميزانية الشركة بأسعارها الرائجة حالياً سيولّد أرباحاً هائلة جدّاً. وبدلاً من تكليف هذه الشركة وأمثالها بتسديد كامل الضريبة على الأرباح الدفترية المحققة، يعمد المشروع إلى خفض الضريبة، علماً بأن ذلك سيؤدّي إلى إجهاض أي محاولة لاحقة لفرض الضريبة على الربح العقاري، لأن هذه الشركات تكون قد أعادت تخمين عقاراتها بأسعار السوق الحالية، وبالتالي سيظهر لاحقاً أن أرباحها من عمليات البيع والتفرّغ محدودة جدّاً... ألا تسمّى هذه العملية سرقة موصوفة يجري تهريبها في الموازنة؟

عدد الجمعة ١٨ حزيران ٢٠١٠ | شارك
مقالات أخرى للكاتب

اعترافات ريا الحسن
الدولة كلّها مرهونة للمصارف
من يخالف قانون الاتصالات؟
إضافة تعليق جديد | إرسال إلى صديق | نسخة للطباعة


No comments: