Tuesday, August 18, 2009

هل يتحول الإعلامي اللبناني الى حاكم مطلق؟

هل يتحول الإعلامي اللبناني الى حاكم مطلق؟
ليلى نقولا الرحباني
استخدمت الحكومات، تاريخياً، ذريعة "الأمن القومي" لتبرير كبت المعارضة السياسية، وكمّ الافواه ومواجهة النقد الاعلامي، وفي السنوات المنصرمة استُخدمت ذريعة "الحرب على الارهاب" وذريعة الأمن، لتبرير ازدياد قمع الأفراد والجماعات والاعلاميين في شتى أنحاء العالم.
وقد أتت الشرائع والمواثيق لتعطي "لكل شخص الحق في التماس المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها من دون خوف من التدخل"، ولتعتبر أن هذا الحق هو من الحقوق الاساسية التي تكفل إحقاق حقوق الانسان الأخرى، وأهمها حرية التعبير التي تأتي الحريات الاعلامية كجزء لا يتجزأ منها.
من الطبيعي ان يكون كل مواطن حرّ أبّي مع حرية الاعلام المطلقة، التي لا يحدّها الا سقف الحقيقة والنظام العام والآداب والأخلاق واحترام الحرمات الشخصية، لكن أن يتحوّل العمل الاعلامي الى شتيمة وقدح وذمّ وتشهير وتحريض طائفي وعنصري، فذلك ليس من الحرية بشيء.
كانت حرية التعبير التي كفلها الدستور والقانون اللبناني سببًا رئيسيًا في نهضة الإعلام الحر والرائد في المنطقة، بالرغم من أن التاريخ يزخر بمحاولات سياسية للسيطرة على الاعلام وكمّ حرية الرأي والتعبير، لم تستطع أن تروّضه.
في ظل الانقسام اللبناني السياسي، تعرضت بعض وسائل الاعلام اللبنانية لمضايقات ومحاولات اقفال باء بعضها بالفشل ونجح البعض الآخر، وكان اقفال محطة "نيو. تي. في" خلال التسعينات من القرن الماضي ومنع البرامج السياسية والاخبارية، وبعدها اقفال "أم. تي. في" وصمة عار على جبين الحكم اللبناني الذي حكم في تلك الفترة، وتحديًا لكل الأسس الحضارية والحريات الاعلامية والثقافية التي بُني عليها لبنان منذ تأسيسه... لجأت بعدها هذه المؤسسات الى القضاء الذي أنصفها، فتمّ إحقاق الحق وإعادتها الى البثّ.
أما في تجربة الحكم في فترة ما بعد اغتيال الحريري، لم نشهد حالات كثيرة كان فيها الاعلام مظلومًا بل في معظم الأحيان وجدناه ظالمًا ومتباكيًا في نفس الوقت.
وباستعادة لبعض الشواهد، نجد ما يلي:
ـ قام بعض الاعلام اللبناني بمحاكمات علنية وساق اتهامات في قضية اغتيال الحريري، وظلم الكثير من المواطنين بسبب اعلامٍ نصّب نفسه قاضيًا ومحققًا ومدعيًا عامًا، ولم يُحاسب ولم يعتذر.
ـ خلال الانتخابات النيابية، ساهم بعض الاعلام في الحملات السياسية التحريضية، بل وكان جزءًا لا يتجزأ من التحريض الطائفي والمذهبي والعنصري، ولنا في حوالى 3500 شكوى في مخالفات تمّت في وسائل الاعلام، قدمتها المعارضة الى هيئة الاشراف على الانتخابات، مثال أكيد وواضح.
ـ مارس بعض الاعلاميين الشتيمة والقدح والذمّ بحق المسؤولين السياسيين، والبعض الآخر فُتحت له صفحات الجرائد لكتابة عبارات نابية لم تكن مألوفة في الوسط الاعلامي. والأغرب، أن محاولة المتضرر رفع دعوى قضائية سببت له الكثير من الانتقادات بأنه يعتدي على الحريات الاعلامية، وقامت حملات توقيع العرائض "التضامنية مع الاعلام"، وهي حملة بدت وللأسف وكأنها دفاع عن حق الاعلاميين في القدح والذم والاسفاف واستعمال الكلمات النابية، وكأن لا حق للمتضرر بالشكوى لان "الاعلام لا يجب ان يُمس".
- وفي بعض الحالات الاخرى، طالبت المؤسسات الاعلامية المسؤولين باحترام القانون والمؤسسات العامة وفصل السلطات، ولكن المؤسسات نفسها لم تمتنع عن القيام بوساطات وتطالب بتدخل مؤسسات سياسية في القضاء، ولم يعد "فصل السلطات" أمرًا مرغوبًا عندما بات لمصلحتها ولأجلها.
وهنا، يمكن لنا بداية أن نقول اننا مع الحريات الاعلامية، ومع حصانة الاعلاميين وحقهم في التعبير، لكن هل يحق للاعلام "المتضرر" من السلطة السياسية أن يلجأ الى القضاء لأخذ حقه، بينما يعتبر لجوء المتضرر من الاعلام ـ سواء كان مواطنًا عاديًا أو سياسيًا أو فنانًا أو قاضيًا أو غير ذلك ـ الى القضاء اللبناني من أجل احقاق الحق هو جريمة كبرى تمسّ بالحريات الاعلامية، وعلى الجميع النزول الى الشارع إما لجمع تواقيع على عرائض التضامن، أو للتظاهر والاعتصام؟
ألا يحق لنا كمواطنين، أن نتساءل عما إذا كان التباكي الدائم على الحريات الاعلامية هو وسيلة يريد من خلالها البعض إكساب الاعلاميين "حصانة" تجعلهم فوق القانون والمؤسسات؟
ألا يمكن لهذه الحملات التي تدعو الإعلاميين الى تطبيق مبدأ "أنصر أخاك ظالما أو مظلومًا"، أن تضرّ بالجسم الاعلامي من خلال تأطيره في هيكل فوق المساءلة والمحاسبة، وبالتالي يؤدي ببعض الاعلاميين الى تعسف في استخدام السلطة؟
لقد أساءت السلطات السياسية الى نفسها فيما مضى حينما تعسفت في استخدام السلطات وحكمت شعوبها باسم "الله"، وجعلت نفسها عصيّة على المساءلة والمحاسبة الى أن جاء حكم الشعب واستعاد المواطن قيمته وسيادته، لذلك على السلطة الرابعة في لبنان اليوم الاتعاظ من التاريخ، وأخذ العبر منه، والحفاظ على الحصانة التي تتمتع بها، بأن لا تتعسف في استخدام صلاحياتها وقدراتها، والمحافظة على مصداقيتها من خلال قبول سلطة أعلى هي سلطة القانون، فتلتزم به قبل ان تطالب الآخرين باحترامه وعدم انتهاكه.

Laila Nicolas/  Rahbany





Powered by ScribeFire.

No comments: