Wednesday, March 31, 2010

مشاهد من أمة تحتضر
بقلم هاني النصولي
نبحث عن عالم عربي، فلا نجد سوى شعوب تائهة وهويات حائرة وانظمة متحجرة مصابة بداء فتاك اسمه التوريث. جزائريون ومصريون يقتتلون بالسكاكين في ساحات أم درمان. فلسطينيون يشطرون اشرف قضية انسانية في التاريخ بين حصة لـ"فتح" ونصف آخر "لـ"حماس". لبنانيون استماتوا بالامس للوحدة العربية والثورة الفلسطينية، يتوجسون اليوم من فكرة العروبة بعد التجربة السورية المؤلمة في لبنان. عراقيون يحاولون لملمة بلادهم المفتتة عرقيا وطائفيا بعد الاجتياح الاميركي وسقوط نظام صدام. سعوديون خاضوا معارك غامضة على حدودهم ضد المسلحين الحوثيين، قبل انكماشهم السياسي في لبنان. يمنيون جنوبيون يكررون مطالبتهم بالانفصال النهائي عن الشمال. مصريون يقيمون جداراً فولاذيا تحت الارض لقطع شريان الحياة عن سكان قطاع غزة. سودانيون يقترفون جرائم حرب فظيعة في اقليم دارفور!.
هل حقا نحن أمة عربية متجانسة ذات هوية واحدة أم اننا ضحايا مفاهيم بالية وصراعات بين قبائل معادية، تجيّش الغرائز وتجند العساكر وترسل المخابرات للقبض على كل من يرفض الانصياع والانبطاح والخضوع؟ ليس مسموحا للشعب ان يقول للحاكم "لا"، فذاك مسّ بهيبة الدولة وخطر على النظام العام وإثم مبين، وليست مقبولة مساءلة الحاكم عن هدر ثروات الامة او الكشف عن حجم انتشار الفقر الذي يفتك بالانسان العربي. انه زمن الجهل وانتصار الامية والسقوط السياسي والقهر الاجتماعي وسحق الطبقات الوسطى والقضاء على اسس العدالة الاجتماعية وشنق الديموقراطية ونحر ما تبقى من حريات. ثم نتساءل بكل سذاجة كيف تمكنت الثورة الايرانية من اختراق جسمنا العربي الهزيل؟ اذا تعالوا ندقق في بعض المشاهد من وطننا العربي.
نبدأ بالمشهد الفلسطيني؛ حيث بث التلفزيون الاسرائيلي على القناة العاشرة تقريرا بعنوان "فتح غيت" اتهم فيه مدير مكتب الرئيس الفلسطيني رفيق الحسيني بالفساد والتحرش الجنسي. واستند التقرير الى وثائق ومستندات دأب في جمعها المسؤول في الامن الوقائي الفلسطيني فهمي شبانة التميمي في السنوات الست الاخيرة. واللافت ان التميمي حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس انه اذا لم تتخذ اجراءات ضد المتهمين باعمال الفساد في غضون اسبوعين، فانه سيكشف للتلفزيون الاسرائيلي مزيدا من الوثائق، لامتناع التلفزيونات العربية عن القيام بالمهمة.
جاء في التقرير ان الكثير من المحيطين بالرئيس الفلسطيني وعلى رأسهم الحسيني وحتى ابناء الرئيس عباس، ضالعون في اعمال الفساد وسرقة الاموال والتي بلغ حجمها مئات الملايين من الدولارات، حصلت عليها السلطات من التبرعات الدولية. وكان التميمي زرع كاميرات تصوير في مقر الرئاسة الفلسطينية وفي عدد من البيوت لغرض التحقيق الذي يجريه عن الفساد وسرقة الأموال. وتبين أن رفيق الحسيني سعى الى استدراج نساء تقدمن للحصول على وظائف في مقر الرئاسة لاقامة علاقة جنسية معه.
ننتقل الآن الى المشهد الليبي، حيث أزيحت الستارة عن نموذجين من سيارة "الصاروخ" التي صممها ملك ملوك افريقيا العقيد معمر القذافي، عشية الاحتفال بالذكرى الاربعين لتولي الزعيم الليبي السلطة في ليبيا عام 1969. واتخذت السيارة شكل زورق سباق لتأمين حد اقصى من السلامة لتتطابق مع "رؤية الزعيم". وأوضح احد افراد الفريق الايطالي الذي شارك في المشروع ان طول السيارة يبلغ خمسة امتار ونصف وعرضها 187 سنتيمتراً ووزنها 1860 كيلوغراماً، وهي مزودة محركاً قوته 230 حصاناً، وقد استخدم الجلد والأقمشة الليبية لتجهيز السيارة من الداخل. اما كلفة نموذج السيارة فيناهز المليون أورو.
أما في المشهد المصري والجزائري، فقد دعا النجل الأكبر للرئيس المصري علاء مبارك الى "رد الاهانة" التي تعرض لها المصريون في الخرطوم على أيدي المشجعين الجزائريين. فبعد فوز المنتخب الجزائري على المصري في أم درمان بالسودان، اعلنت القاهرة استدعاء سفيرها في الجزائر للتشاور، اثر اجتماع طارئ عقده الرئيس المصري حسني مبارك بمشاركة وزراء ومسؤولين كبار. واصدرت وزارة الخارجية بعد ذلك بياناً اكدت فيه استدعاء السفير الجزائري في القاهرة وابلاغه "استياء مصر البالغ من اعتداءات وحشية وغير مبررة" تعرضت لها اعداد كبيرة من المشجعين المصريين من قبل جمهور المنتخب الجزائري. كما تعرضت في الجزائر المصالح والممتلكات الرسمية والخاصة المصرية لاعتداءات وتحطيم وسرقة شركة مصر للطيران والمقاولون العرب وأوراسكوم تيليكوم.
وأخيراً ننتقل الى المشهد الخليجي، حيث جاء في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائيلية، كتب "جاد ليئور" مقالاً قال فيه: عندما كنت في محل للأدوات الرياضية، رأيت قبعة رأس معروفة لديّ، ولما اقتربت وجدت قبعة صفراء لفرقة "مكابي تل أبيب" لكرة السلة. فوجئت وسألت البائع رفيق: ما الذي يجعلكم تبيعون في "دبي" شعار فرقة من اسرائيل؟ فاجأني جوابه: هذه فرقة كانت بطل اوروبا في سنوات عديدة. لدينا في "دبي" الكثير من جامعي القبعات والشعارات وبالطبع فاني استوردها لهم بدافع الكسب المادي، مضيفاً أنه يوجد لديه أيضاً قمصان تحمل شعار مدينة "تل أبيب". هذه مشاهد لأمه مفككة، والغريب ان يستمر بعض منّا الرهان على التضامن العربي والمطالبة بمعاهدة دفاع عربية مشتركة، وليس في الأفق ملامح لاي تجانس عربي ولا من يحزنون. أين هي الأنظمة العربية للدفاع عن المسجد الأقصى قبل التفكير في حماية لبنان، وقد دشنت اسرائيل بالأمس كنيس الخراب قرب المسجد الأقصى، كما استخدمت قوات حرس حدودها الكلاب البوليسية للسيطرة على المقدسيين والقبض عليهم خلال المواجهات التي دارت عقب تدشين الكنيس، متحدية بذلك كرامة الملوك ومكانة الرؤساء وارادة الجماهير العربية المهشّمة او ما بقي منها.
إن شعوبنا تتساءل، هل هناك بالفعل جامعة للدول العربية ام مركز اطفاء لهيب النزاعات والخلافات؟ وما هذا الكم من الانشاء السياسي في بيانات الجامعة، تعابير هرمت من كثرة الاستخدام. للتأكيد ان الملوك والرؤساء خرجوا من القمة العربية متوافقين، فيما الحقيقة أن خناجر الانظمة جاهزة ليطعن بعضها بعضاً في كل مكان وزمان. ألم يصفهم رئيس الوزراء القطري بأنهم سماسرة يبيع بعضهم البعض وأن الثقة مفقودة بين الدول العربية!
هل نترك الأمة تحتضر؟ بالطبع لا... إذاً ما العمل؟ حطموا الأصنام العربية. اخرجوا من حالة الترهّل والخوف والتحجّر الفكري والأمية المقنعة. اوقفوا الصراعات القبلية الضيقة. سيروا على درب العلم والديموقراطية والحداثة نحو نهوض المجتمع العربي الموحد. أعيدوا احترام شعوب العالم الى عروبتكم. ارفعوا رؤوسكم الى السماء لا نحو قصور الحكام. وإلا ما سبب وجودنا بين الأمم وماذا قدمنا أخيراً الى الحضارة العالمية، سوى أفشل مسلسلين عربيين أحدهما بعنوان "التوريث" والآخر "أقبية التعذيب"!




Powered by ScribeFire.

No comments: